أنتقل بكم أيها الإخوة بعد هذه المسيرة إلى وقفات: أولاً: لو أن واحداً منا أصابه شيء من زكام يسير ربما تخلف عن الصلوات، والشيخ القعيد بأمراضه الكثيرة التي يحملها إلى آخر يوم من أيام حياته كان يشهد الصلاة في المسجد، ويؤدي صلاة الفجر في الجماعة دون أن يتخلف بأعذار كثيرة ربما يكون له فيها مندوحة شرعية عند الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: انظروا إلى مواصلة المسيرة التي لا تتوقف لأجل الظروف العصيبة، والممانعة الرهيبة التي مرت بها مسيرة حياته، فلم يثنه عن مضيه في دعوته ورفع راية الإسلام اعتقال ولا تعذيب، فضلاً عن أصل ما هو فيه من الإعاقة الظاهرة البينة.
ثالثاً: لننظر إلى الأهم والأهم وهو: أن وقود كل قوة إسلامية، وكل عزة إيمانية، وكل انتصار في ميادين المعارك، وانتصار في ميادين النفس المثبطة إنما هو منهج التربية والدعوة الدعوة إلى الله التربية على الإسلام تنشئة الأجيال على القيم والمبادئ والمفاهيم والعقائد الإسلامية، هذه هي الركيزة الأساسية والقاعدة المتينة التي يشاد عليها حينئذ كل بناء قوي، وكل شموخ علي، وكل عزة قعساء، وكل مقاومة قوية، وكل قضية يراد لها أن تستمر، ولا يمكن بحال من الأحوال إلا أن نوقن بما كان عليه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يخرج إلى معركة وغزوة جهادية إلا بعد مضي خمسة عشرة عاماً من بدء دعوته، فهل كان فيها نائماً عليه الصلاة والسلام؟ هل كان فيها لا يؤدي دوراً؟ لقد كان يسكب الإيمان في القلوب، كان يغرس اليقين في النفوس، كان يصحح المسار في الأفكار، كان يقوم الممارسة في السلوك، كان يبين التصورات والمبادئ والعقائد والعلائق كيف تكون، كان يعلم شموخ الإيمان وقوة اليقين.
فلما خرج إلى ميدان الدولة بعد الدعوة، ولما خرج إلى ميدان الجهاد بعد التربية؛ أخرج أمة عظيمة من أصحابه رضوان الله عليهم؛ فشرقوا وغربوا، وانتصروا أعظم انتصار في كل ميدان، فتلك هي القضية الأساسية في أمة الإسلام!