يوم عرفة مشهد التوبة والإنابة

إن هذا المشهد هو مشهد التوبة والأوبة والإنابة لله رب العالمين، إنه وقفة مع الله سبحانه وتعالى في أراضيه الطاهرة المقدسة، وبين يديه سبحانه جل وعلا، وهو الذي يباهي بأهل الموقف الذين جاءوا من كل فج عميق، تركوا وراءهم الأهل وخلفوا الأولاد، وأنفقوا في طريقهم الأموال، وبذلوا الجهد، ولحقهم الإرهاق، انطلقوا بقلوبهم قبل أجسادهم، ولهجوا بخواطرهم قبل ألسنتهم، وعاشوا يبغون هذه اللحظة، وينتظرون تلك الوقفة بين يدي الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:17 - 18]، التوبة التوبة يا عباد الله! {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

باب عظيم من أبواب الرحمة الإلهية، ومن أبواب العفو الرباني: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل وذلك الدهر كله)، و (إن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، (يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها)، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كل ليلة وفي الثلث الأخير من الليل يتفضل رب الأرباب، وملك الملوك، الغني عن العباد بالنزول إلى السماء الدنيا، وينادي: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)، هذا نداء الله عز وجل، وهذه أبوابه مشرعة مفتوحة فأين المقبلون؟ وأين التائبون؟ وأين المستغفرون؟ وأين النادمون؟ وأين المتضرعون؟ وأين الباكون؟ إنهم اليوم على صعيد عرفات يبكون ويستغفرون، يلبون ويدعون، فالله نسأل ألا يحرمنا من أجره وثوابه، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عظمة هذا اليوم، وعن سعة التوبة العبادية، والمغفرة الإلهية في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟)

و صلى الله عليه وسلم أنهم ما جاءوا، ولا أنفقوا، ولا بذلوا، ولا تعبوا إلا ابتغاء غاية واحدة هي مغفرة الله عز وجل، ورضوان المولى سبحانه وتعالى.

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في سنن الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، فهذا موسم التوبة، وهذا موسم الإنابة والأوبة إلى الله عز وجل، تفكر عبد الله كم أسرفت على نفسك في المعاصي؟! وكم قصرت في حق الله عز وجل من الواجبات؟! وكم تركت من المندوبات والمستحبات؟! وكم غرقت في الشهوات؟! تفكر فإن هذا الموقف موقف تذكر واتعاظ واعتبار، تفكر عبد الله وارجع إلى الله قبل أن يبلغ الأمر إلى مداه، وقبل ألا ينفع الندم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015