روى أنس -كما في الصحيح- أنه عندما نزلت آية تحريم الخمر: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90] فمن كان من الصحابة في يديه كأس رمى به، ومن كان في فمه شيء من خمر مجه، وشقت الجفان، وأتلفت الخمر في لحظات، وانتهى الأمر كله.
وعندما نزل الحجاب لم يسأل النساء هل هو كذا أو كذا، وهل يمتثل من هذا الوقت أو ذاك، وإنما كان الأمر كما قالت عائشة: (ما جاء الفجر إلا وعلى رءوسهن كأمثال الغربان مما أسدلن من الحجاب)، فينبغي أن نؤكد هذا ونبينه، وأن لا نرى فيه مبالغات.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في مجلس بين أصحابه، فذكر لهم حرمة الذهب والحرير على الرجال، وفي القوم رجل في أصبعه خاتم من ذهب، فنزعه مباشرة وطرحه، فلما انتهى المجلس قام، فقالوا له: خذ خاتمك فانتفع به، قال: ما كنت لآخذه وقد طرحته لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الامتثال، واليوم قد يجادلك ويقول: هذا لأجل العقد، وهذا لأجل الخطبة ونحو ذلك.
وتحتاج إلى أن تتدرج معه، ولا بأس في ذلك، لكنني أقول: انظر إلى الفرق.
وورد في بعض المصنفات: أن حذيفة رضي الله عنه كان قادماً إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه بعض نفر من أصحابه، وكان بعضهم وقوفاً، فقال لهم: (اجلسوا، اجلسوا)، فسمع حذيفة ذلك فجلس وهو خارج المسجد! استجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن أمره كان لمن في المسجد.
إنها الاستجابة للأوامر، وليس هذا من الصحابة انغلاقاً، بل هو إيمان، وليس هو تحجراً أو ضيق أفق كما قد يظن بعض أولئك الذين فتنوا، كلا.
وهذا علي بن أبي طالب وجهه النبي صلى الله عليه وسلم ليفتح خيبر وليقتحم بابها وحصنها، فقال له: (امض ولا تلتفت)، فأراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف على دابته ولم يلتفت إلى الرسول، بل خاطبه دون أن يلتفت إليه، وقال: يا رسول الله! علام أقاتل الناس؟ لأن رسول قال له: (امض ولا تلتفت)، فالكلمة عندهم لها ميزانها ودلالتها، ويوم يعظم إيماننا نكون كذلك، ويوم نفقه ديننا نكون كذلك.
نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بديننا، وأن يعظمه في قلوبنا، وأن يظهره في واقع استجابتنا في حياتنا، نسألك -اللهم- أن تجعلنا بكتابك معتصمين، وبهدي نبيك صلى الله عليه وسلم مستمسكين، ولآثار السلف الصالح مقتفين، ونسألك -اللهم- أن تصرف عنا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم! طهر قلوبنا، وزك نفوسنا، وأرشد عقولنا، وأخلص نياتنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وارفع درجاتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا رب العالمين.
اللهم! إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم! تولَّ أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا يا أرحم الراحمين.
اللهم! وفقنا للصالحات، واصرف -اللهم- عنا الشرور والسيئات، وابعدنا -اللهم- عن المحرمات والشبهات، واغفر -اللهم- لنا ما مضى وما هو آت، برحمتك يا رب الأرض والسموات.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم! من اعتدى على أهل الإسلام وأمة الإسلام فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! لطفك ورحمتك بإخواننا المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وآمن روعتهم، وفرج كربتهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، واجعل -اللهم- لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، يا سميع الدعاء.
اللهم! انصر جندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! وحد كلمتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وأعل رايتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم! إنا نسألك أن تحفظ ولي أمرنا، وأن توفقه لطاعتك ورضاك، وأن ترزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.