جناية القنوات على الدين

أعود ثانية لأقف وقفة قصيرة مختصرة موجزة لأسرد بعض هذه الجنايات، وأسوقها في لقطات وومضات، جناية القنوات الغنائية على الدين، وكيف تجني هذه القنوات على الدين؟ إن هذه القنوات من أسباب ضعف الإيمان واليقين، وهي كذلك من أسباب اختلاط المفاهيم، والتباس الحلال بالحرام، فعندما تأتي بعض المسائل التي قد يكون فيها لبعض أهل العلم مقال فإنهم يتتبعون فيها الرخص، ولا يبحثون عن الحكم الشرعي، وهذا هو الحاصل في مسألتنا هذه، فيقال: إن هناك من المتقدمين أو المتأخرين من أباح الغناء، فإذن هذا مباح.

ولعمر الله لا أعلم أحداً من المتقدمين ولا المتأخرين مطلقاً يقول بأن هذا الذي وصفناه حلال إلا إذا قلنا: إن الكفر بالله عز وجل هو الإيمان، وإلا إذا أصبحت التوراة المحرفة هي القرآن، وإلا إذا أصبحنا نمشي على السماء والأرض تظللنا من فوقنا، وإلا فأعيدوا إلينا عقولنا فقد أصبحنا بغير عقول، لكن هذا الإرجاف والتلبيس يؤثر في الناس، وفي الشباب خاصة؛ لأنهم ليس لديهم من العلم بالأحكام والنصوص ما ينجيهم من هذه الشبهات.

ومن جهة أخرى فهم أصحاب المشاعر الملتهبة، والغرائز المتقدة، وفي زمن أصبحت الغريزة تخاطب كل شيء، فقد كان الغناء يسمع فصار اليوم يرى ويسمع، ويلمس من خلال هذه القنوات وما فيها من المباشرة وغير ذلك؛ لأن بعض القنوات اليوم طورت الرسائل، فيمكن أن يرسل الشاب أو الشابة صورته مشفوعة برسالته إلى من يبعثها إليه، فأي شيء بعد ذلك؟! ونحن نعلم ونقرأ أن بعض الأغنيات العربية لا الغربية تعرض صور المغنيات وهن على أسرة النوم، بل قرأت نصاً صريحاً واضحاً تفصيلياً أن أغنية صورت فيها المغنية وهي في الحمام، أكرمني الله وإياك! فهل هذه القنوات لا تجني على الدين والإيمان؟! ولا تسبب تعلق القلب بغير الله عز وجل؟! ولا تضعف أثر سماع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟! إن الله تعالى يقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]، فما بال هذه القلوب لا تخشع ولا تخشى مما تندك له الجبال من كلمات الرحمن سبحانه وتعالى؟! إنها قد فتنت وعميت وأصيبت في مقتل من مثل هذه الجنايات الغنائية الفضائية.

وأما جنايتها على الأخلاق فإنا نجني منها ميوعة الشباب، ونجني منها انشغالهم بالشهوات وانصرافهم عن الأمور العظيمة والمهمات الجسيمة، ونجني منها قلة حياء الفتيات، واندفاعهن مع الإغراءات والشهوات.

ألسنا اليوم نرى شباباً نكاد أحياناً لا نميزه هل هو من جنس الذكور أو الإناث؟! ألسنا نرى اليوم في واقع مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ظهوراً لما عرف عند غيرنا بالجنس الشاذ أو الجنس الثالث؟! من أين جاءنا ذلك؟! هل نبت من الأرض أو سقط من السماء؟! إنها أسباب تتعاظم وتتكاثر، وأبوابها العظمى ونوافذها الكبرى هذه القنوات، وإذا أصبنا في الأخلاق فالأمر كما قال الشاعر: فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.

إنك لتعجب عندما يأتون إلينا بمثل هذه المرأة التي تتبرج، وتكشف المناطق المثيرة، وتتلوى في رقصاتها، ثم تأتينا في مقابلة لتحدث شبابنا وشاباتنا عن جهودها في خدمة الفن، وعن دورها في مسيرة الأمة، وعن إسهاماتها في تطور المجتمع وغير ذلك! وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فنقدم الفسق والفجور على أنه نموذج يحتذى، وأسوة تقتدى، ونقدم الخنا والانحراف على أنه سمة من سمات الأداء والعطاء والنماء وغير ذلك، فالأمر كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، إنها مسألة عجيبة!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015