أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإنه لحري بنا أن نتأمل في حالنا، وأن ننتهز هذه الفرصة العظيمة، وهذه الأيام والليالي الفاضلة، إنها أيام القلوب والأرواح لا أيام الجسوم والأشباح، اعتكاف ننقطع به عن دنيانا، وصيام وقيام ننقطع به عن طعام وشراب إلا في أقل قليل مما يقيم الأود ويعين على الطاعة.
إنها أيام من لم يجد فيها الفرصة ليزكي نفسه، ويطهر قلبه، ويمحو ذنبه، ويجدد عهده، ويؤكد توبته؛ أن يكون قد ضيع تضييعاً عظيماً وفرط تفريطاً كبيراً يخشى ألا يكون له بعده استدراك، لأنه مضى في غفلته، واستسلم لشهوته، وقعد مع كسله وعجزه وركونه إلى دنياه.
إن ما نحتاج إلى التدبر فيه هو: أن نجعل هذه الأيام خالصة لله عز وجل، وفرصة لعلاج أدواء القلوب وأمراض النفوس، تلك القلوب التي قد اسودت من كثرة المعاصي والآثام، وأظلمت بكثرة ما قارفت من السيئات والمحرمات، تلك الأحوال التي تكاد أن تغرقنا في دنيانا فلا نرى مساحة تذكرنا بأخرانا، تلك الأيام والأعوام المتعاقبة التي ليلنا فيها نوم دائم أو سهر عابث، أفلا نجعل لنا حظاً من ليل ذاكر خاشع متبتل يكون لنا فيه حظاً من تعرضنا لرحمة الله عز وجل؟