وإننا لندرك حين نكون على هذا الإيمان واليقين سنة الابتلاء: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران:179].
غيب الله فيه حكم، وفيه ابتلاء، عندما نكون موقنين ندرك أن هذه من صفحات الابتلاء تنقلب، ويأتي بعدها النصر والرخاء: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5 - 6].
وكذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4]، أفهذه القوى عجولة أن تهزمها قوة الله جل وعلا؟ كلا.
إن رعباً في القلوب إن خلفاً في الصفوف إن ريحاً تهب إن أرضاً تتزلزل إن بحراً ينشق إن أدنى شيء مما أراده الله عز وجل يدمر كل تلك القوى، ولكنها حكم الله عز وجل ينبغي أن نتأملها في الآيات والأحاديث والسنن.
ويأتينا من بعد ذلك الثبات وعدم التراجع: وهو أمر مهم، فلا يثبت إلا مستيقن، ولا يمضي في طريقه شامخ الرأس إلا مؤمن معتز بإيمانه، ولذلك لا تستغربوا عندما ترون المواقف المخزية؛ لأنها ليس لها رصيد من إيمان ولا أساس من يقين، كيف نرتقب لمن خلت قلوبهم من الإيمان ونفوسهم من اليقين أن يقفوا مواقف عزة؟! أو أن تكون لهم في المواجهة قوة؟! ذلك تفسير واضح بدهي من خلال الفقه الإيماني في آيات الله سبحانه وتعالى.
الأمر الثالث: الرجوع والالتجاء إلى الله: إن من عرف الخلل أدرك أنه لا بد من الإصلاح بالرجوع إلى الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50].
كل شيء تخافه تفر منه إلا الله، فإنك إن خفته فررت منه إليه، لا ملجأ ولا منجى لنا منك إلا إليك، وعجباً يرى المرء هذه الأحوال العصيبة وما زال الفن رافعاً راياته، والرقص ضارباً دفوفه، وما زالت الأمة كأنما هي نائمة نوماً لا تستفيق منه.
فمتى سيستيقظ أولئك الغافلون؟ هل يستيقظون إذا طرقت أبوابهم ووقعت السقوف فوق رءوسهم؟! أم إذا أصابتهم البلية في أنفسهم وأزواجهم وأموالهم؟! هل بعد هذا كله ليس هناك مدكر ولا معتبر، ولا منزجر ولا راجع إلى الله سبحانه وتعالى؟ ومن بعد ذلك الثقة والقوة: ثقة بالله، وقوة بقوة الله عز وجل، فإنه لا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.