أيها الإخوة المؤمنون! أحوال عصيبة، وظروف رهيبة، تحيط بأمتنا في هذه الأيام، ونحن نقف هذه الوقفة مع الأمة في مواجهة الغمة، ولعلنا نرى صوراً مخجلة إذ نجد أن الأمة في مجموعها كأنها لا تملك من الأمر شيئاً، وكأن الحال كما قال القائل: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود ونرى أن الآراء ما زالت متباعدة، وأن الأفكار ما زالت متباينة، وأن الوحدة ما زالت بعيدة.
من جهة ثالثة: نرى صوراً من زيغ الفكر، وضعف اليقين، وانحراف السلوك، بل نرى حقيقة النفاق والممالأة والمصانعة التي تزيد الأمة ضعفاً ووهناً، والتي تزيد أعداءها تسلطاً وتمكناً.
إننا لا نشك أن كل أحد منا عليه واجب، وفي عنقه مسئولية، وليست المهمة قاصرة على دولة أو أخرى أو حاكم أو آخر أو عالم أو مؤسسة، بل كل واحد في عنقه أمانة، وعلى كاهله مهمة.
ومن ثم فإننا ينبغي أن نعيد القول ونكرره، وأن نعاود المدارسة والمذاكرة في أحوال أمتنا التي هي في حقيقة أمرها مجموع أحوالنا، وإذا أردنا أن نؤكد هذه المعاني فينبغي لنا أن نكون صرحاء لا نستخدم التعمية الإعلامية، ولا الألاعيب السياسية، ولا المداهنات والمنافقات التي نجدها ليس في حياة الأمة على مستوى الدول والحكومات، بل على مستوى الأفراد والتجمعات، فلا بد أن نكاشف أنفسنا من خلال أنوار اليقين في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بد أن نكتشف خللنا وعيوبنا من خلال النظر في سنن الله سبحانه وتعالى الماضية التي نقرؤها في صفحات التاريخ الغابرة، ونشاهدها ونراها في الوقائع المعاصرة.
وعندما نكون كذلك ربما يكون هذا أول طريق للإصلاح وتغيير هذه الأحوال، ولكن لا يمكن أن نتصور أن يكون طريقاً قصيراً ينتهي في غمضة عين وانتباهتها، أو في أيام قلائل أو أعوام يسيرة، ولا يمكن كذلك أن نعتقده طريقاً سهلاً مذللاً مفروشاً بالورود، بل فيه عقبات عظيمة، وهوائل جسيمة، وفيه ابتلاءات ومحن وفتن لا يصبر لها ولا يجتازها إلا الخلص من المؤمنين الصادقين، والمسلمين المستسلمين لرب العالمين.