وتأمل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لكي تقوم بهذه المهمة دون الخروج عما ينبغي أن تكون عليه أثناء أدائها، فهذا جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يروي لنا مبايعته للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي زاده في بيعته: (والنصح لكل مسلم).
ولنعلم أيضاً الحديث المشهور المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر حقوق المسلم على المسلم ومنها: (إذا استنصحك فانصحه أو فانصح له) فهذه حقوق وواجبات، وهذه معالم وسمات ينبغي للمسلم أن يرتبط بها، وأن يحرص عليها، فما معنى نصحك لإخوانك المسلمين؟ وأي دلالة تؤديها هذه الكلمة؟ إنها ليست مجرد كلمات عابرة تقولها أو أمراً أو تذكيراً تقوله مرة واحدة أو في شأن واحد، بل الأمر أوسع من ذلك وأرحب.
وأقف بك -أخي المسلم- مع قول الإمام النووي في بيان ما يجب عليك من النصح لإخوانك المسلمين؛ لترى أن في هذا الأمر من العظمة والاتساع والتنوع والتعدد ما هو جدير أن تلتفت له، وأن تعتني به، وأن تبذل فيه من جهدك وطاقتك وعلمك ووقتك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
هذا الإمام النووي رحمة الله عليه يقول في شأن النصيحة للمسلمين: إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لهم ما يكرهه لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك.
فانظر -رحمك الله- إلى عظيم هذه الأمور والواجبات، وإلى ما ينبغي أن يشيع بيننا من النصائح والمواعظ والأمر والنهي؛ فإن ذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه الدين، أي: قوامه وأساسه وغالبه.