ذكر بعضهم مناظرة وقعت لأحد الأشياخ من أهل الشام، جاء فناظر أحمد بن أبي دؤاد الذي كان قاضي القضاة وشيخ المعتزلة، وهو صاحب هذه الفتنة التي خفض فيها ووضع، هذه المناظرة ذكرها الذهبي وغيره وفي سندها مقال، لكن فيها حكمة وحجة، فجاء هذا الشيخ وأدخل ليناظره ابن أبي دؤاد فقال الشيخ: يا ابن أبي دؤاد أخبرني عن مقالتك هذه أهي داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه ما قلت؟ قال: نعم، قال أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ستر شيئاً مما أمر به؟ قال: لا؛ قال: فدعا إلى مقالتك هذه؟ فسكت، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين واحدة.
ثم قال الشيخ: أخبرني عن الله حين قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] أكان هو صادقاً في إكمال دينه أم أنت صادق في نقصانه حتى قلت هذا القول؟ فسكت ابن أبي دؤاد، فقال: الثانية؛ قال: أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة أم جهلها؟ فقال: علمها؛ فقال: هل دعا إليها؛ قال: لا، قال: فأمر اتسع له علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه ولم يطالب أمته به، ووسع الخلفاء من بعده وسكتوا عنه أما يسعك أنت أن تسكت عنه؟ فأطرق الواثق يفكر فقال: بل يسعني، فكوا قيود هذا الشيخ.
لما طال الأمد وقويت حجة الإمام مع صبره وثباته، العجيب الذي جعله إماماً للممتحنين حينئذ قضى الله عز وجل بعد وفاة الواثق وقد بدأ بعض تراجعه أن هيأ الله المتوكل بعده فهداه الله إلى السنة، فرفع المحنة عن الإمام أحمد وعظمه ووقره، وجعل له أمر تولية القضاة وأمر تغيير أحوال الدولة.