أيها الإخوة الأحبة! ينبغي أن يكون في نفوس المسلمين أمل عظيم في الله سبحانه وتعالى.
وهنا أمر آخر يقع لبعض أهل الإيمان والإسلام، ممن غلبت عليهم الشهوات، وممن غرقوا في بحار المعاصي والسيئات، وإذا بهم تأتيهم وساوس الشيطان، وأوهام النفس الأمارة بالسوء فتقول: قد تدنست بالخطايا، وغرقت في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى، فأنى لك النجاة؟ وكيف لك الخلاص؟ قد سدت الأبواب، وانقطعت الأسباب، ويأتي الشيطان ليقعدك وعندك ما هو أعظم من كل هذه المعاصي، عندك إيمان في قلبك، وتوحيد بالله سبحانه وتعالى، يأتي ليسد عليك الأبواب، وليدخل على قلبك اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى، ولتنقطع عن إخوانك المسلمين، ولئلا يكون لك دور في نصرة هذا الدين، بحجة وهمية؛ وهي أنك قد وقعت في المعاصي.
وانظر أخي المسلم! إلى الأمر الذي يبدد هذا اليأس، ويبعث الأمل قوياً موصولاً في نفسك، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، آية من أعظم آيات الرجاء في القرآن: (قُلْ يَا عِبَادِيَ) سماهم عباداً له؛ لأنهم موحدون لأنهم مؤمنون وإن كانوا عصاة خاطئين: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أي: في المعاصي والشهوات والملذات والمخالفات، (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) لا تقنطوا من رحمة الله مهما تعاظمت ذنوبكم! ليس ذلك دعوة لارتكاب المعاصي، وإنما دعوة لمن قد وقع ليخرج من هذه الورطة والوقعة.
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ما خلا الشرك، في الحديث القدسي الصحيح عن رب العزة والجلال: (ابن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا بملء الأرض معاصي وذنوب وخطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بقرابها مغفرة)، إن هذا الأمر يحتاج منك إلى التوبة والاستغفار، ثم إلى مواصلة العمل في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) (إن الله إذا بقي الثلث الأخير من الليل ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)، وذلك الدهر كله (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، وفي حديث آخر صحيح أيضاً: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها).
فضل الله عظيم، والأمل في رحمته كبير! وفي سنن النسائي وأبي داود وابن ماجة وعند الإمام أحمد بسند صححه بعض أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)، توبوا إلى الله واستغفروه في اليوم والليلة مائة أو سبعين مرة، فقد كان ذلك فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلا يأس من روح الله، ولا يأس من رحمة الله، حتى وإن كنت من العصاة.