أثر القناعات الخاطئة على الآخرين

ثم هنا نقطة أخرى وهي مهمة جداً: ما تأثير القناعات الخاطئة عند الآخرين، أي: من غير المعلمين؟ الخطر عندما ينظر المعلم إلى نفسه نظرة خاطئة، فهنا يقع الخطأ، فلا يعرف أن له مهمة عظيمة ولا رسالة ولا فائدة، إذاًَ لماذا يعمل؟ وكيف سيعمل؟ وبأية نفسية سيتوجه إلى عمله؟ والآخرون لسنا معنيين بهم في هذا المقام، فإذا أقنعت نفسك بهذا فستسمع كل كلام فلا يؤثر فيك، وتسمع كل احتقار فلا تكترث له، حتى تكون حينئذٍ بهذه الانطلاقة مصلحاً ومغيراً لأفهام الآخرين بإذن الله عز وجل.

وأيضاً: عندما يكون بعض الآباء أو بعض المدراء أو بعض قطاعات المجتمع لا تدرك هذه الأهمية فمن الذي سيغيرها؟ أقول: التغيير بأيدي المعلمين في كثير من الجوانب أقوى من أي جهة أو من أي تيار غيرهم، لأسباب كثيرة: أولها كثرة المعلمين، وانظر إلى أية دائرة من الدوائر كم عدد موظفيها وكم عدد الموظفين القائمين بمهمات التعليم والتدريس! وانظر أيضاً إلى المحتاجين إلى الخدمات في أي قطاع، خدمات الجوازات، أو خدمات المطارات، أو أي خدمات أخرى، ستجد أنهم فئات قليلة، لكن التعليم كل الأمة تمر خلاله، وكل مولود في هذه الأعصار في بيئات كثيرة وفي بيئاتنا لابد أن يمر بهذا التعليم.

فإذاً بكثرتكم لو أنكم فهمتم ووعيتم وأجمعتم وقررتم وعملتم وواصلتم يمكن أن تغيروا كل هذه الأفكار وكل هذه التصورات الخاطئة، ثم عندكم ثروة عجيبة يمكنكم أن تغزوا عقول الآباء والأمهات من خلال أبنائهم، ويمكنكم أن تغزوا المجتمع من خلال الذين تخرجونهم على أيديكم ويكونون غداً موظفين ومعلمين ومهندسين وأطباء إلى غير ذلك، فيمكنكم أن تغيروا كل شيء؛ لأن عندكم أكبر قوة تغييرية، وهي: القوة البشرية، فلا يتغير بالقوة المادية ولا بالقوة الإعلامية ولا بأي قوة أخرى -وإن كانت هذه لها تأثيرها- مثل ما يتغير بالقوة البشرية والقناعة الفكرية والتربية السلوكية والحقائق الإيمانية التي تزرعونها في طلابكم، فيمكن أن تغيروا، ولا يكون التغيير الإيجابي في غمضة عين وانتباهتها، ولا بين عشية وضحاها كما يقولون، وإنما لهذا وقته، لكن المهم أن تكون مقتنعاً به، وأن تكون مستوعباً له، وأن تكون متفاعلاً معه، حينئذٍ يمكن أن يكون لك مثل هذا الحظ.

وأما هذه النظرات التي أشرت إليها عند بعض إخواننا المدرسين فأذكر لهم بعض ما قد يوافق هوى بعضهم من باب الفكاهة، أو من باب التحميس أو النظر إلى بعض النماذج، فالأستاذ الشيخ علي الطنطاوي حفظه الله عز وجل له مذكرات، وفي كثير من كتبه كلام عن المدرسين من حيث همومهم وأعبائهم، وتجد أحياناً عندما يصف لك دور المدرس وهو يصحح الكراريس كما يسميها أو وظائف الطلاب كما يسميها والأوراق وغيرها تجد أنك تحزن لهذا المدرس حتى كأنك في جنازة ومأتم، وتجده أحياناً يعبر بتعبيراته الأدبية بأمور لا يقصدها ولا يعنيها، وإنما يعبر عن حقيقة المعاناة التي لا يلمسها الآخرون، فهو يعبر عن هذا ثم يقول: وماذا حظي بعد ذلك؟ يقول: بعض الطباشير التي يقذفها عليّ الطلاب، وبعض الأمور كذا وكذا وكذا إلى آخره.

وكما عبر شاعر معلقاً ومعارضاً لقصيدة شوقي في المعلم: قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاً فهذا القائل من أهل التعليم أو من المتعاطفين معهم قال: شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم ووفه التبجيلا ويكاد يطلقني الأمير بقوله كاد المعلم أن يكون رسولاً لو جرب التعليم شوقي مرة لقضى الحياة شقاوة وخمولاً يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلاً ويعني بقوله: (ويكاد يطلقني الأمير) أمير الشعراء.

وهو وإن كان قد يعاني لكن كما قلت: لابد أن يدرك هذه القيمة العظيمة لأهميته ومنزلته، والحديث برقيات، والبرقيات لا بد أن تكون مختصرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015