هذا مشروع مهم ومفيد جداً، وربما عنوانه لا يدل على مضمونه، لكننا إن تذكرنا حديث ابن عباس في الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل حين يدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة).
الرسول عليه الصلاة والسلام سبق الريح في كرمه وجوده وعطائه، نحن نريد أن نعمل مشروعاً اسمه: سباق مع الريح، قد لا نسبقها لكن نوازيها، قد يكون بعضنا خمسين في المائة وبعضنا ستين في المائة؛ قد يكون هذا المشروع على مستوى الأسرة، وقد يكون على مستوى الجيران، وقد يكون على مستوى أهل الحي، وقد يكون على مستوى زملاء العمل أو الدراسة، ما هو هذا المشروع؟ إنه مشروع التسابق في مجال الإنفاق وبذل الخير.
وهنا وقفة: ليس بالضرورة أن يكون الأمر مالياً بحتاً، سنذكر هنا صوراً من السباق في مجال البذل والتبرع، وسننبه على قضية الرياح حتى لا تشوش على أحد.
اجعل مسابقة بين الأبناء، كل يجمع من مصروفه مالاً يجعله صدقة لوجه الله عز وجل، ولا يعلم بها إلا رب الأسرة، ويمكن أن نخفي ذلك ونجعل لهم أرقاماً لا تعلن إلا في آخر الشهر، ويمكن أن نقول: فاز في هذا الأسبوع واحد منكم وبلغ تبرعه كذا وأنفقناه.
ترى أن من عرف الرقم الذي تبرع به عرف أنه فائز، والآخرون عرفوا أنهم ليسوا فائزين، والمنافسة تشتد في الأيام التي تليها والأسبوع الذي يليه، لو كان في ميدان عمل فيمكن كذلك.
ليس فقط ميدان الإنفاق والتبرع، وإنما المسابقة في ميادين أخرى أيضاً منها: التعريف والدعوة، ما معنى التعريف والدعوة؟ عرف بمجالات الإنفاق وادع إليه، قد لا يكون عندي مال، لكني أستطيع أن أقول: إن في المسجد مشروعاً لإفطار الصائم فلو أنكم تبرعتم لوجدتم من الأجر كذا وكذا، فالذي سيتبرع سيكون في رصيد حسناتك نصيب من تبرعه وأجره.
كيف نتسابق إن كنا جميعاً فقراء معدمين، يمكن أن نتسابق سباقاً مع الريح في مجال التعريف والدعوة للإنفاق، وبيان ذلك وفضائله للناس، وبيان ميادينه التي يمكن أن يسير فيها.
الجانب الثالث: السعي والدلالة، ليس بالضرورة فقط الدعوة للإنفاق بالقول، بل تسعى مثلاً في مشروع إفطار الصائم إلى الحمل مع الناس في إيصال الأشياء إلى مستحقيها، قم بشيء من الجهد الذي يريدونه، حتى تكون مشاركاً في هذا، أو دل عليه دلالة عملية، بأن مثلاً في زكاة الفطر تدلهم على الأسر المحتاجة التي تعرفها فيكون لك أجر الدلالة على الخير كما ورد في الحديث: (من دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
ثم أيضاً في مجال المعونة والمواساة ولو أن تتبسم في وجه المكروب، ولو أن تقف معه وتخفف عنه بكلمات ميسورة، كل هذه ميادين، فينبغي أن نعلن مشروع السباق مع الريح، صدقوني لو أننا أعلنا هذا الشعار في هذه الدوائر التي قلتها، سوف يكون له أثر لا نتخيله ولا نتوقعه، بدلاً من أن يكون التسابق الفعلي في عكس ذلك لميدانين مختلفين: إما في التخلف عن الطاعات والتكاسل عن أدائها فهذا يقول: ننام إلى الظهر، الثاني يقول: أنا أنام تقريباً إلى العصر، الثالث يقول: في الحقيقة أنا لا أستيقظ إلى قبيل المغرب، تنافس إلى الخلف إلى الوراء.
أو تنافس في ميدان آخر: هذا اشترى من الطعام بألف، هذا يقول: نحن اشترينا بعشرة آلاف، هذا يقول: نحن أعددنا للعيد كذا، وهذا يقول: الإنفاق يخصنا وينحصر في ذاتنا، وربما يكون فيه من السرف والتبذير ما فيه.