نمضي مع دعوات الإمام أحمد، وقد كانت له دعوات جليلة عظيمة، حتى إن ابن الجوزي أفرد فصلاً في دعوات الإمام أحمد، لنرى كيف كان دعاء أولئك الصالحين، من دعائه رحمة الله عليه أنه كان يقول دبر كل صلاة: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك.
وكم من الناس من يقع في المسألة لغير الله عز وجل من غير أن يشعروا، ويقعون في شيء من الرجاء أو الخوف لغير الله سبحانه وتعالى.
ينبغي أن يكون المسلم محباً للخير عند الآخرين؛ لأن هذا من علامة كمال الإيمان كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فهذه النفسية إن وجدت في قلب المؤمن نظر إلى الطائع، فإذا به ينظر إليه نظرة محبة وإجلال واقتداء، وإذا نظر إلى العاصي لم ينظر إليه نظرة ازدراء واحتقار، بل نظرة شفقة ورحمة ورغبة في الإصلاح والإرشاد مع النصح واللطف، وهذا هو الذي يفارق فيه المسلم الفطن الحكيم في دعوته من ينظر إلى الناس شزراً ولا يرى فيهم إلا شراً ولا يتوقع منهم إلا نكراً، فكأنه يفرح بخطيئة الرجل ويفرح بزلته في القول، وإذا به يريد أن يجرم الناس أو يفسقهم أو يبدعهم أو يكفرهم، هذه نفس مريضة مظلمة ليست نفساً مشرقة بالإيمان محبة للخير، فكان من دعاء الإمام أحمد رحمة الله عليه حين كثرت الأهواء والفتن والبلايا وانحرافات العقيدة في عهده فكان يقول: اللهم من كان على هوىً أو على رأي وهو يظن أنه على حق وليس هو على حق فرده إلى الحق، حتى لا يضل من هذه الأمة أحداً.
انظروا إلى القلب الشفيق الرحيم، وقد رأى الفتن تغتال العقول وتفسد القلوب، وأشفق على هذه الأمة مما جاءها من هذا البلاء، ومن هذه الفتنة العمياء، ومن هذه المقالات الفلسفية والانحرافات العقلية فكان يدعو بهذا الدعاء.
وكان يقول في دعائه: اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولاً لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترنا حيث نهيتنا، ولا تفقدنا من حيث أمرتنا؛ أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية.
ومن دعائه أيضاً يقول: اللهم وفقنا لمرضاتك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ونعوذ بك من الذل إلا لك، اللهم لا تكثر علينا فنطغى، ولا تقلل علينا فننسى، وهب لنا من رحمتك وسعة رزقك ما يكون بلاغاً لنا، وأغننا بفضلك يا رب العالمين.
هذه الدعوات تبين لنا فقه الإمام أحمد وبصره بهذا الأمر.