لو أخذنا هذه المجالات التي ذكرناها وأردنا أن نقارنها ببعض الواقع في حياة كثير من مجتمعات المسلمين اليوم لوجدنا تناقضاً كبيراً، فعلى سبيل المثال: لو أخذنا جانب الاهتمامات والطموحات فالفتاة اليوم فيم تفكر؟ وفي أي شيء؟ تأمل ليس هذا عيباً فيها، ولكنها صياغة المجتمع الذي تواجهه عبر صفحات الكتاب الذي تقرؤه، والقصة التي تتسلى بها، والمشاهدة التي تنظر إليها.
الفتاة اليوم همها جمالها، فلا تفكر إلا في صبغة الشعر، وفي ألوان الموضة والألبسة، ومن اهتماماتها ما يسمى اليوم بفارس الأحلام، وتجد كل الكلام والمقابلات والمقالات والمشاهدات تدور حول هذه الدائرة، ربما تجد كثيراً من نساء المسلمين -وللأسف- قد وُجِّهن هذه الوجهة، حتى يكون مجال القدوة في هذا الشأن أن نأتي بالمقابلات مع خبيرة التجميل، أو مع التي ابتكرت زياً جديداً، أو مع التي استطاعت -كما يقولون- أن تختار شريك حياتها بنفسها، ونحو ذلك من الأمور والأساليب التي تنحرف بالمرأة في مجال القدوة السيئة.
كذلك مجال البذل والإنفاق والصدقة على سبيل المثال آخر الصورة الواقعية في بعض جوانبها تضاده وتعارضه، فتجد المرأة اليوم لا تنفق إلا على زينتها وعلى لبسها، وتجمع الأموال، بل ربما يحصل بينها وبين زوجها من الشقاق والخلاف وأسباب النزاع ما الله به عليم؛ لأنها تريد منه أن يقتطع من راتبه أو من ماله حتى تشتري لبساً جديداً لمناسبة جديدة أو نحو ذلك، ولا تجد عندها سخاء اليد ولا الإنفاق في سبيل الله، وتغفل عن أحوال المسلمين واليتامى والأرامل والثكالى والمغتصبات من نساء المسلمين في بقاع الأرض، وهذا جانب -أيضاً- نجده مثالاً من أمثلة القدوة السيئة التي تبرز في مجتمعات المسلمين.
أضف إلى ذلك أيضاً مجالاً ثالثاً، وهو مجال قوة الشخصية، يرتبط اليوم بواقع المرأة المنحرف في بعض المجتمعات الإسلامية وبعض البيئات بأن قوة الشخصية هي أن تكون المرأة نداً للرجل، وأن تكون المرأة متبرجة لا متحجبة، مختلطة غير منحسرة عن الرجال، فإن قوة الشخصية هو المثل الذي يقدم على أن المرأة تستطيع أن تكون نداً للرجل، كأن الحياة وجدت بين المرأة والرجل للصراع والمصارعة والمحاربة، لا للتكامل والتعاون والتعاطف، فمثلاً هم يأتون بامرأة ويقولون: هذه من الرائدات أو من القائدات من أصحاب الشخصيات القوية اللواتي لهن سبق في ميادين كثيرة، ويقصدون بذلك أنها تمردت على شرع ربها ولم ترض هدي نبيها صلى الله عليه وسلم، ولم تقتد بأسلافها من أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، فهذا المثل أيضاً ضرب من ضروب الانحراف، والأمثلة في ذلك -كما أشرت- كثيرة متعددة، ولو أخذنا كل مجال من هذه المجالات لوجدنا أمثلة مضادةً، فعندما نقول: أمثلة الصبر والثبات نجد اليوم في مجال المرأة في كثير من المجتمعات -وخاصة المجتمعات المدنية والحضرية- أن المرأة اليوم تخاف من ظلها، وأن المرأة لو وجدت في البيت جرادة لأعلنت حالة الاستنفار وأعلنت حالة التأهب القصوى؛ لأن هناك غزواً بالطائرات النفاثة أو غير ذلك، هذه أمثلة ربما بعضها يكون من طبيعة المرأة، لكن هذه المبالغات التي وقعت فيها مجتمعاتنا أدت إلى أننا لا نجهز ولا نعد المرأة التي يمكن أن يكون لها الإسهام المطلوب والمهم في واقع حياة المجتمع المسلم.
ولو قلنا: مجال العبادة والدعوة وتفرغ المرأة له لوجدنا في هذا الوقت بعض نساء المسلمين تفرغت فضيعت وقتها في سماع اللهو والغناء والقيل والقال، فبدلاً من أن تنشغل بالدعوة والتذكير فهي تنشغل بالأخبار والأقاصيص والأحوال، وما فعلت فلانة، وما لبست فلانة، حتى كأنك تجد نشرات الأخبار مفصلة تفصيلاً أبلغ من كل تفصيل عند أولئك النساء، شغلن بذلك أوقاتهن وأوغرن الصدور وفرقن الصفوف، إلى غير ذلك من هذه المجالات التي ينبغي أن تربأ المسلمة بنفسها عنها.