الوقفة الثانية: المراجعة والمذاكرة: فطلابنا اليوم يعودون إلى أول درس، وإلى بداية المنهج، ويمرون عليه صفحة صفحة، ويقرءونه درساً درساً، ويراجعونه وحدة وحدة من البداية إلى النهاية؛ لأن المنهج لا يكون إلا متكاملاً؛ ولأن المنهج لابد أن يُستوعب استيعاباً شاملاً، وفي كل ذلك يمرون على الأخطاء السابقة، ويراجعون الاختبارات السالفة، ويرون كيف مرت بهم تلك الدروس، وفاتهم فقه بعضها ومعرفة بعض أسرارها، وكيف مرت بهم تلك الاختبارات فأحسنوا في بعض الإجابات وأخفقوا في تحقيق بعض النتائج، وكل ذلك يدخرونه لكي يتهيئوا لهذا الاختبار النهائي الكبير! وهنا نسأل: هل أمتنا مراجعة لمنهجها من أوله إلى آخره؟ وهل لها في ذلك مذاكرة ومشاورة؟ وأهم من ذلك: هل تعي دروس الماضي؟ وهل تراجع الاختبارات وما كان فيها من نجاحات أو إخفاقات، أم أنها تمر على ذلك مرور الكرام؟ إنها ترسب في اختبار مدريد لتواصل الرسوب بعد ذلك في اختبار أوسلو، ولتواصل المسيرة المنحدرة في المستوى الهابط فيما يأتي بعد ذلك، في صورة تبين أن الإجمال لهذا الحال الذي يتصدر فيه من يتصدر في أمتنا يدل على أن لا مراجعة، وأن لا مذاكرة، ولا منهج يقود، ولا رؤية تسدد، ولا قواعد تضبط قيادتها المتصدرة لمهامها العظمى كما ينبغي أن يكون عليه الحال.
عجباً لهزيمة أمتنا في عام (1984م) من قبل شراذم عصابات اليهود عليهم لعائن الله، وكان درس الفرقة، وكان درس المؤامرة، ثم تكرر درس النكبة في الخيانة العظمى والمؤامرة الكبرى في (1967م)، ثم توالت الحيل وتواصلت الإخفاقات فيما بعد ذلك دون أن نعي دروس الكذب والمراوغة، ودروس الغدر والإجرام، ودروس المفاوضة والمناورة.
فأنت صاحب حق وصاحب دار، ثم يأتيك ضيف -إن اعتبرته ضيفاً- فيحل ولا يخرج، ثم يدعي أنه صاحب المنزل، ثم يطردك، ثم يفاوضك على أن يكون لك مكان خارج الدار، أو بعد ذلك يمن عليك أن يجعلك في فنائه، ولكنك تحت قوته وسطوته، ثم يقول لك بعد ذلك: كيف تطلب أكثر من هذا؟! ونحن نرى كيف دارت الأمور حتى أصبحت اليوم هذه القضية الإسلامية الإيمانية العقدية التي تمثل بؤرة المواجهة الحضارية بين الإسلام وأعدائه؛ أصبحت اليوم تقاس بالأشبار والأمتار، وتقاس بالطرقات والشوارع، بعد أن كانت قضية الإيمان والعقيدة قضية الحق الثابت، وقضية المبدأ الراسخ.