ما ينبغي أن يشغل الإنسان وقته في هذه الأيام الفاضلة من الأعمال؟ قالوا: أشهر ذلك الذكر، ودل عليه قول الله عز وجل: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28] وقوله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] قالوا في الأيام المعلومات والمعدودات: إما عموم العشر أو خصوص أيام التشريق، وكل ذلك يدخل في عموم أيام العشر وما يتبعها؛ لأنها ذات صلة بها، وقد وردت رواية عن ابن عمر عند الإمام أحمد أنه قال فيها عليه الصلاة والسلام: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) فينبغي حينئذ أن يكثر من ذلك، وقد توسع أهل العلم في هذا، وبينوا أن المقصود لغير الحاج على وجه الخصوص التكبير مطلقاً؛ لأن ذكر الله عام، وورد في الحديث تخصيص هذا الذكر بالتهليل والتكبير والتحميد، وورد عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يشير إلى مزيد من تخصيص التكبير؛ لأن بعض الصحابة كانوا يخرجون إلى الأسواق فيكبرون فيها، حتى يكبر الناس بتكبيرهم، ومن هنا ذكر أهل العلم اختلافاً وقالوا: هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق في العشر، فأنكره طائفة، واستحبه الإمام أحمد والشافعي، وخصه الشافعي برؤية بهيمة الأنعام إذا رآها، أي: بالأضحيات ونحو ذلك، والإمام أحمد يستحبه مطلقاً.
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة (أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)، وأيضاً روي عن مجاهد أنه قال: (كان أبو هريرة وابن عمر يأتيان الأسواق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان لشيء إلا لذلك).
فهذا الذكر عموماً وهذا التكبير خصوصاً من الأمور التي ينبغي الانشغال بها والإكثار منها وإظهارها، والتكبير عموماً لغير الحاج آكد وأظهر، وأما للحاج فإنه مخصص ومقيد، فإنه إنما يأتي به في أعقاب التلبية، وإنما يشرع بعد الانصراف من عرفة ومزدلفة، وبعد رمي جمرة العقبة ينقطع من التلبية، ويبدأ ويشرع في الذكر وفي التكبير، وهو أيضاً للحاج خاص في أعقاب وأدبار الصلوات، أما غير الحجاج فالتكبير والذكر لهم مستحب مطلقاً في كل وقت بلا قيد بصلاة، وبلا قيد أيضاً بأيام بعينها، بل محله العشر كلها، وهذه أيضاً مسألة من المسائل.