وهو في الاصطلاح: أن يرمي الزوج زوجته وليس عنده بينة إلا نفسه، فلتعذر إحضار الشهود، ولصعوبة سكوته على ما رأى، ولئلا يكون في حرج وضيق، فله أن يلاعن، كما جاء في قصة اللعان: (إن تكلم ضرب ظهره -أي: لأنه قذف مسلمة محصنة- وإن قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على أمر عظيم).
وجاء في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (قد جعل الله لك مخرجاً)، وذلك أن اللعان وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا شخصياً لم أقف على صورة لعان بعد زمن النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولا أدري إن كان الإخوة قد وقف أحدهم على صورة لعان في عهد الخلفاء الراشدين أو ما بعدهم، أم لا.
وهذه القصة التي ساقها المؤلف يتفق العلماء أنها أول لعان في الإسلام، وذلك أن عويمر العجلاني أو هلال بن أمية، ورواية عويمر أنه قال لابن عمه عاصم العجلاني: ماذا يفعل الرجل لو وجد رجلاً مع أهله، إن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه الحد، وإن سكت سكت على مكروه؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فأعرض عنه ولم يجبه، وكره المسألة؛ كره أن يقع السؤال عن الشيء المكروه قبل وقوعه-.
وقد كان ابن مسعود حينما يسأل عن مسألة يقول: أوقعت؟ فإن قيل: نعم وقعت أفتى فيها، وإن قيل: لم تقع، يقول: دعوها حتى تقع، وليس معنى هذا منع السؤال عن الأمور المستقبلية إذا كانت مظنة الوقوع، ولكن عندما يكون السؤال متعلقاً بالفاحشة، فإن الآذان تكره ذلك وتمج سماعه والرسول سكت ولم يجبه؛ لأنه لم يكن نزل في حكم ذلك شيء من قبل.
فرجع عاصم إلى عويمر فقال: ماذا قال لك رسول الله؟ قال: ما وجدت منك خيراً، لقد سكت عني ولم يجبني، فقال عويمر: والله لا أتركها، وذهب بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي بعض الروايات لما سأل رسول الله صلى الله قال له: قد نزلت فيك وفي صاحبتك آيات فاذهب فأت بها)، هذا ما يتعلق برواية عويمر.
فنزلت الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6] الآيات إلى آخر آيات اللعان، فقال: (قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن فاذهب فأت بها) فجاءت -وفي بعض الروايات- أن عويمراً لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حد في ظهرك وإلا بينة) أي: بينة على ما أخبرت ورميتها به، وفي بعض الروايات: (يا رسول الله! أحدنا يجد الرجل على أهله، ثم يتركه ويذهب ويأتي بالبينة، فيكون قد قضى حاجته ومضى)، وفي بعض الروايات: (بأن عويمراً رجع من مزرعته بعد العشاء فوجد عند أهله رجلاً، فلم يهجه وتركه، وفي الصباح أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر) كل ذلك مقدمات يسوقها العلماء في ملابسات وظروف اللعان.
وأجمع العلماء أنه لا لعان إلا بين الزوجين، واختلفوا: هل كل زوجين يمكن أن يقع بينهما لعان؟ فالبعض كـ أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه يقول: لا لعان إلا بين مسلمين حرين بالغين.