يقابل هذا في الجانب الآخر أنه دخل رجل الجنة في كلب -هرة وكلب! سبحان الله- وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: (بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش)، الثرى: التراب المبلل بالماء، طلباً لأثر الماء الموجود في ذلك التراب.
(فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي)، وليس عنده دلو، ولا عنده ماعون، فماذا فعل؟ (فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)، وجاء في لفظ الجلالة الرفع والنصب.
فأما على النصب: (فشكر اللهَ) أي: أن الكلب شكر الله لهذا الرجل الذي أحسن إليه.
وعلى رواية الرفع على الفاعلية: شكر اللهُ له صنيعه في مخلوق.
قالوا يا رسول الله: ألنا في الحيوانات أجر، قال: (في كل كبد رطبة أجر).
على هذا: إذا كان الإنسان يقتني كلباً مما تجوز قنيته؛ ككلب الماشية، وكلب الزرع، وكلب الحراسة، وما عدا ذلك من اقتنى كلباً لغير هذه الأسباب الثلاثة نقص من أجره كل يوم قيراط؛ فواجب على من اقتنى كلباً عليه أن يوفر له المأكل والمشرب، وإلا تركه لحال سبيله يأكل من خشاش هذه الأرض.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.