معنى الحديث

فبدأ رحمه الله بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).

كفى: تشعر بأن هذا الفعل هو بذاته وحده إثمه يكفي في هلاك صاحبه، ما هو هذا الشيء الوحيد الذي يكفي إثمه في إهلاك فاعله؟ هو أن يضيع المرء من يعول، يعول: من عال يعول، وعال يعيل، فَعَال يعيل: من العيال، وعال يعول: من الزيادة، ويعول أي: ينفق.

(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، أي: من تلزمه نفقته.

وقد جاء نظير ذلك لكن في أعمال الخير، جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه، أنه حينما جهز جيش العسرة، قال له صلى الله عليه وسلم: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم).

وكذلك الحارس الذي أرسله في غزوة حنين يستطلع له خبر هوازن في بطن الوادي، فمكث من بعد صلاة العشاء إلى ما بعد صلاة الفجر على صهوة جواده، وما طلع عليهم إلا وهم في مجلسهم من صلاة الصبح، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (ماذا فعلت؟ قال: والله يا رسول الله ما نزلت عن جوادي إلا مصلياً أو لقضاء حاجة، قال: لا عليك أن تعمل بعد اليوم).

وكما جاء في عموم أهل بدر، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما أرسل خطاباً إلى المشركين وكان من شأنه أنَّ عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

أي: أن هذه الأعمال وحدها يكفي ثوابها لنجاة العبد، وليس معنى ذلك أنه يبيح له المعاصي، أو يبيح له ترك الواجبات، ولكن المراد: تعظيم وتفخيم هذا الأمر الذي قام به هذا الشخص، فهنا كفى في الخير كذا، وهناك كفى في الشر كذا.

يعني أن الأعمال تتباين وتتفاوت، وأعمال الخير تتفاوت في تعاظم الأجر، وأعمال الشر تتفاوت في عظم الإثم، وهذا ذهب إليه بعض المفسرين في قوله سبحانه: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت:34]، الجمهور يقولون: (ولا تستوي الحسنة) أي: جنس الحسنات، (ولا السيئة) أي: جنس السيئات، الحسنة ما هي مثل السيئات، الحسنة أحسن، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34] هذا رأي الجمهور، وبعض المفسرين يقولون: لا تستوي الحسنات في أفرادها، بل تتفاوت الحسنات بعضها على بعض.

ولا تستوي السيئة، أي: لا تستوي السيئات بعضها مع بعض، ولكن هناك سيئة وهناك أسوء، وهناك حسنة وهناك أحسن.

فهنا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كفى بالمرء)، والمرء مذكر، ومثله امرؤ، ومؤنثه امرأة.

(كفى بالمرء) أي: الإنسان مطلقاً، ويشمل المرأة.

(إثماً) أي: ذنباً عظيماً، (أن يضيع): يكون ذلك بأحد وجهين: الوجه الأول: أن يكون غنياً ويمسك النفقة بخلاً أو تغافلاً أو سهواً، أو يقدم غير من يعولهم على من يعولهم، أو لكون العائل ينفق ماله في مباحات يسرف على نفسه بها، ويترك النفقة على من يعولهم.

الوجه الثاني: كونه لا يجد النفقة ولم يتصرف معهم تصرف المعذور المعسر، وإذا كان الأمر كذلك، إذاً: من وجبت نفقة إنسان عليه فعليه أن يبادر وأن يقدم له ما يعوله، وهل يدفع له نفقته يومياً أو إسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً؟ كل ذلك بحسب الاتفاق، وإن تنازعوا فيوم بيوم؛ لأن كل يوم له نفقة مستقلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015