والله سبحانه تعالى خاطب الأمة بهذا الخطاب الرائع، فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] بماذا؟ إن طبقتم هذه الشروط كنتم خير أمة أخرجت للناس {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] فقد وصف الله الأمة بهذا الوصف؛ بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأن مجتمعهم أعلى وأعز مجتمع في العالم حاضره وماضيه لماذا؟ لما اتصفوا به من الصفات الفاضلة, والأخلاق العالية, والغيرة الصادقة على حدود الله كانوا متمسكين بتعاليم دينهم, وكانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم, وكان الإسلام وبهاؤه يلوح في أعمالهم ومعاملاتهم وأخلاقهم فلا غش، ولا خداع، ولا كذب، ولا خيانة، ولا غدر، ولا نميمة، ولا غيبة، ولا ظلم، ولا نفاق، ولا رشوة، ولا ملق، ولا رياء، ولا بهت، ولا سخرية، ولا عقوق، ولا قطيعة رحم لماذا؟ لأنهم ما عاشوا على الأفلام والتمثيليات والأغاني الماجنة, بل كان همهم وهدفهم القضاء على المنكرات وإماتتها، وإعزاز المعروف ونشره بين المسلمين وهذا يدل على قوة إيمانهم, وشدة تمسكهم به، ورغبتهم في النجاة التي وعد الله بها الناهي عن السوء.
وكان كلٌ منهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه, وكانوا يتراحمون بينهم, ويوقر الصغير الكبير, حتى إنهم ينصفون الأعداء من أنفسهم, فالقوي عندهم ضعيف حتى يستوفى منه الحق, والضعيف عندهم قوي حتى يؤخذ حقه كانوا إذا فقدوا أخاهم بحثوا عنه؛ فإن كان مريضاً عادوه, وإن كان محتاجاً واسوه, وإن نزل عليهم أكرموه؛ مطبقين لتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فهل يوجد هذا الشعور في مجتمعنا اليوم؟
لقد كانت الأمة آخذة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً}.