والكبر أنواع، وأعظم أنواع الكبر: الكبر على الله وعلى رسله، وهذا من أشر أنواع الكبر، ومن أراد علاج الكبر فقد ذكره العلماء، فقال بعضهم: أولاً أن يعرف الإنسان ربه ويعرف نفسه، فإنه إذا عرف ربه حق المعرفة، علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله جل وعلا، وإذا عرف نفسه علم أنه ضعيفٌ ذليل، لا يليق به إلا الخضوع لله والتواضع لرب العالمين والذلة لله، قال الله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:17 - 22] ويقول جل وعلا: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] ففي هذه الآيات إشارة إلى خلق الإنسان وإلى آخر أمره وإلى وسط أمره، أما أوله فإنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وقد كان في حيز العدم دهوراً، ثم خلقه العزيز الحكيم من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظاماً، ثم كسا العظام لحماً، ثم لما استتم الخلق جعله سميعاً بعد أن كان أصمَّ، وبصَّره بعد أن كان فاقد البصر، وقواه بعد أن كان ضعيفاً، وعلمه بعد أن كان جاهلاً، فمن كان هذا أوله، وهذه أحواله فمن أين له البطر والأشر والكبرياء والخيلاء، وهو الضعيف الحقير بالنسبة إلى قدرة الباري جل وعلا؟!
فليتأمل العاقل -يا عباد الله- هل يليق الكبر بمن هذا أوله؟!
وآخره أنه يسلب روحه! فهذا الإنسان الذي يجول ويصول يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحواسه وإدراكه وحركاته وجماله وجميع أحواله، فيعود جماداً كما كان أولاً، لا يبقى إلا شكل أعضائه وصورته، ولا حركة فيه، ثم يوضع في التراب في مثواه الأخير في القبر، فيصير جيفة منتنة كما كان في الأول نطفة قذرة، فتبلى أعضاؤه، وتتفتت أجزاؤها، وتنخر عظامه، ويأكل الدود أجزاءه، ويستقذره الإنسان، وأحسن أحواله أن يعود تراباً كما كان، ثم يحييه الذي خلقه أول مرة، فيقاسي البلاء والشدائد، والأهوال والمزعجات فيخرج من قبره كما أخبر الله تعالى بقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44] فينظر إلى قيامة قائمة، وسماء منفرجة منشقة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة، وشمس منكشفة، وأحوال مظلمة، وملائكة غلاظ شداد، وجهنم تزفر.
فيا ويل المجرمين مما أمامهم في ذلك اليوم العظيم!
اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأعمال وأحبها إليك، لا يهدينا لأحسنها وأحبها إليك إلا أنت، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين وأنت راضٍ عنا يا كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.