الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي اختاركم من بين الأمم، واحمدوه على أن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، واشكروه على نعمة الإسلام والإيمان.
أمة الإسلام! لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء سهلة، فيها الخير والصلاح، والسعادة والفلاح لمن تمسك بهذه الشريعة, وقام بها حق قيام.
عباد الله! لقد أخبرنا ربنا جل وعلا في محكم البيان ما حصل للأمم مع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا إليهم، ففي سورة هود أخبر الله سبحانه وتعالى عن نوح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن هود مع قومه عليه السلام، وأخبر عن صالح مع قومه عليه السلام، وأخبر عن لوط مع قومه عليه السلام، وأخبر عن شعيب مع قومه عليه السلام.
فنوح عليه السلام هو أول رسول بعثه الله سبحانه وتعالى إلى أهل الأرض، وقد أمره ربه جل وعلا أن ينذر قومه ويحذرهم عذاب الله، فعاش فيهم طويلاً، وكان أطول الأنبياء عمراً، وأكثرهم جهاداً، فقد تحمل من الأذى ما لم يتحمل أحدٌ من الرسل، فدعى قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وقام فيهم تسعمائة وخمسين عاماً يذكرهم ويعظهم، ويدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكنه لم يلقَ من قومه إلا كل تكذيب واضطهاد وصدود وإعراض.
فقد كانت قلوبهم أشد من الحجارة، وعقولهم أصلب من الحديد، ومع طول المدة التي أقامها بينهم لم يؤمن برسالته إلا القليل، كما أخبر الله جل وعلا: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40].
بعث الله نوحاً عليه السلام إلى قوم قد أشركوا بالله، وعبدوا الأوثان والأصنام واتخذوا آلهة من دون الله, اعتقدوا أنها تضر وتنفع من دون الله عز وجل، فأرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام ليحذرهم فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:1 - 3].