الحمد لله الذي أمر بأداء الأمانة في كتابه العزيز، وأشكره وأسأله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وبادروا بأداء الأمانات رغبةً بالثواب من الله، وخوفاً من عقاب رب العالمين، يقول الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].
الأمانة -يا عباد الله- أمرها عظيم, وخطرها جسيم, لذلك تأبى السماوات والأرض والجبال وتشفق من حمل الأمانة ويحملها الإنسان.
أيها المسلمون: إن الأمانة من الأخلاق الفاضلة، وهي أصلٌ من أصول الديانات، الأمانة ضرورية للمجتمع الإنساني، لا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر ومزارع وغني وفقير، فالأمانة شرف الغني، وفخر الفقير، وواجب الموظف، ورأس مال التاجر، وسببٌ لشهرة الصانع، وسر نجاح العامل والمزارع، الأمانة مفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة وندامة بإذن الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58].
وليست الأمانة مقصورة على الودائع التي تؤمن عند الناس من غالٍ وثمين، بل الأمانة أوسع من هذا كله، فهي عملٌ لكل طاعة أمر الله بها ورسوله، واجتناب كل مخالفة وعصيان نهى الله عنه ورسوله.