الحمد لله, كرّم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحلَّ لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث, وهي من صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق, ويدعو إلى كل فضيلة، وينهى عن كل رذيلة, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا المعاصي بأنواعها, واحذروا المروجين للمعاصي الجالبين للمسلمين ما فيه ضررهم في دينهم ودنياهم وأبدانهم, الذين يسعون لجلب الدخان, أو التتن, أو التبغ, وكلها مسميات لأبي الخبائث الدخان, الذين يسعون لاستيراده, المتساهلين بما فيه من الخطورة والداء العضال, وقد تساهل فيه كثير من الناس حتى عمَّ المجتمعات وابتلي به كثير من الأفراد, وربا عليه الصغير في هذا الزمان، وهرم عليه الكبير إلا من رحم ربك.
والدخان لم يوجد إلا حديثاً, ولم يوجد في عهد السلف , ولقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم الدخان, منهم العيني من فقهاء الحنفية، قال رحمه الله: يحرم الدخان لكونه مضر للصحة بأخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك فيحرم استعماله اتفاقاً, ولأنه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعاً, للحديث: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر} والدخان مفتر باتفاق الفقهاء سلفاً وخلفاً, ولكون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وخصوصاً في مجامع العبادات ونحوها, ويؤذي الملائكة المكرمين, وفي الحديث المتفق على صحته: {إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم} , ولكون الدخان سرفاً وتبذيراً إذ ليس فيه نفع مباح خالٍ عن الضرر, بل فيه الضرر المحقق باختيار أهل الخبرة، هذا كلام الحنفية.
وقال الشيخ/ خالد بن أحمد بن عبد الله من المالكية: لا تجوز إمامة من يشرب الدخان, وإن لم يدمن عليه, والصلاة خلفه باطلة على الأرجح, ولا تجوز شهادته وهي باطلة ثم قال رحمه الله: لا يجوز الاتجار في ذلك يعني الدخان، هذا مذهب المالكية.
وقال الشيخ/ ابن علان الصديقي من الشافعية رحمهم الله في إعلام الإخوان بتحريم تناول الدخان: وقد اتفق العلماء على حفظ العقول وصونها من المفترات والمخدرات, وكل من امتص هذا الدخان مُقر بأنه لا بد أن يدوخ أول تناوله, ويكفي ذلك دليل على التحريم, لأن كل ما غير العقل بوجه من الوجوه أو أثر فيه بطريق تناوله فهو حرام، قال صلى الله عليه وسلم: {كل مسكر حرام} والمراد بالإسكار فيه الإسكار القوي, أي: مطلق التغطية على العقل, وإن لم يكن معه الشدة المطربة، ولا شبهة أنها حاصلة لكل متناول أول ما يتناول الدخان.
وقوله: إذا تناوله بعد لا يؤثر فيه ذلك, لا ينفي سبب التحريم؛ لأن مدمن الخمر إذا اعتادها لا تؤثر فيه تغييراً أصلاً, ولا يخرجها ذلك عن كونها حراماً, اعتباراً بأصل التغيير الثابت فيها للعقول.
قال بعض العلماء رحمهم الله: التنباك حرام -أي: الدخان- ومن دلائل تحريمه أن فيه إضاعة المال من غير فائدة, لا في الدين ولا في الدنيا, وهو إسراف، والإسراف ممنوع لقول ربنا جل وعلا {وَلا تُسْرِفُوا} [الأنعام:141] ولقوله تبارك وتعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء:26] ولقوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء:5] وأي سفاهة فوق أن يحرق الإنسان ماله, ويحرق قلبه وصدره بلا فائدة؟
والدخان عبث, والعبث مذموم, والدخان خبيث يستخبثه من لا يشربه ولا يصاحب شاربه, وقد قال ربنا جل وعلا: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] مع تلك المضار الكثيرة أنه ينتن الفم الذي هو محل ذكر الله عز وجل, ويحصل منه سواد الشفتين، وعلى كل حال هو شيء لا خير فيه.