الحمد لله الذي شرع الأحكام، فبيّن الحلال والحرام، وأمر بالصالحات ونهى عن الآثام أحمده سبحانه على ما شرع وسنّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمدٌ عبده ورسوله, أعرف الخلق بالله وأتقاهم له، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله:
أمة الإسلام! يا من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً: كيف يحارب الله بالمعاصي؟ كيف يتجرأ على حدود الله ولا يخاف {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17 - 18]؟ وكيف يخالف القرآن ويتبع الشيطان وكان الشيطان للإنسان خذولاً؟ لقد استفز الخبيث بعض الناس بصوته وأجلب عليهم بخليه ورجله، وزين لهم الإثم والعدوان وحب الفساد وأهله دعاهم إلى الزنا واللواط، ودعاهم إلى شرب الخمور، ودعاهم إلى التعامل بالربا وأكله، وحسّن لهم القيل والقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال في غير محله، فلما أغواهم وأوقعهم في تلك المآزق تبرأ منهم، وقال كما أخبر الله في محكم البيان: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر:16 - 17] وهكذا يوقع الإنسان بسياسته الشريرة، فإنه يعدهم ويمنيهم، ثم يكون بعد ذلك معه في نار جهنم وبئس المصير.
أمة الإسلام: علينا جميعاً أن نأخذ حذرنا من هذا العدو اللدود المتقدم في العداوة، ونحذر من المزالق التي تهوي بنا في الهواية، علينا جميعاً -كمجتمع إسلامي قوامه الدين والأخلاق ولله الحمد- أن نجتهد بقدر ما نستطيع على التمسك بسياج ديننا الحنيف والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يسعى كل منا -من الولاة فما دونهم- لمنع الفساد والمفسدين, ويقطعون دابر الذين يدخلون إلى هذه البلاد الآمنة ويجرون معهم جراثيم الغرب، ويجرون معهم سيئات الغرب وانحطاطهم، ويبثونها في أماكن يسمونها أماكن التطور والترفه، وهي في الحقيقة أماكن الفساد والانحطاط، ومع الأسف أن المسلمين لا يعالجون الجرح إلا إذا استفحَل وفَشَى بين المجتمع، ثم يكون صعباً تلافيه صعباً إلا بعد العناء والجهد الشديد.
إن علينا جميعاً أن نتخذ الحيطة، ونتتبع مواقع المفسدين لتطهيرها، وعلى كل واحد منا أن يراقب حال أولاده وأهله الذكور والإناث، فيمنع النساء من الخروج وهن متبرجات متطيبات فاتنات مفتونات، وعليه كذلك أن يتفقد الأولاد أين ذهبوا؟ وأين غابوا؟ ومن أصحابهم؟ ومن جلساؤهم؟ وكذلك يمنعهم من مخالطة السفهاء والمفسدين الأشرار، فإذا أصلح الرجل أهله، وأصلح أهل الحارة جيرانهم، وحرص الولاة على إصلاح بلدهم؛ حصل بذلك من الخير ما يكفل السعادة للمجتمع.
أمة الإسلام: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة عليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذ في النار.
وصلوا على رسول الله استجابةً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى الإسلام، اللهم حبّب إلينا الإسلام، اللهم خُذ بأيدينا إلى تعاليمه، اللهم املأ قلوبنا من حبه إنك على كل شيء قدير.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ عليهم من يقوم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين الذين يفسدون في الأرض ويصدون عن سبيلك، اللهم دمّرهم تدميراً، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم يا سميع الدعاء اللهم أعم بصائرهم وقطّع أوصالهم، واكف المسلمين شرّهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.