لقد نصر الله إبراهيم -عليه السلام- بحجته الظاهرة، فلجأ القوم ينصروا ما هم عليه من السفه والطغيان فكادهم رب العالمين جلَّ جلَّاله, وأعلى كلمته ودينه وبرهانه, كما قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:68 - 70].
وذلك أنهم انشغلوا جمع الحطب من جميع ما يمكن من الأماكن لمدة شهر؛ حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت نذرت لئن عوفيت لتحملن حطباً لحرق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة, فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأضرموا فيها النيران, فاضطرمت وتأججت والتهبت وعلا لها شرر لم ير مثله قط, ثم وضعوا إبراهيم -عليه السلام- في كفة منجنيق صنعه لهم رجلَّ من الأكراد يقال له: هيزل , وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدون إبراهيم عليه السلام ويثبتونه بالحبال وهو في كفة المنجنيق يناجي إله الأولين والآخرين, ويستنصر برب العالمين, "لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد ولك الشكر لا شريك لك", هكذا كان نداءه عليه السلام وهم يقيدونه بالحبال ليلقوه في تلك النار العظيمة, فلا يزال أن يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين, لك الحمد ولك الشكر لا شريك لك، فلما ألقوه في النار اتصل بالحي القيوم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, قال: "حسبي الله ونعم الوكيل", الكلمة التي قالها رسول الهدى محمد بن عبد الله إيماناً بالله، واقتداءً بالخليل عليه السلام لما قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران:173 - 174].
فاقتداءً بإبراهيم عليه السلام قالها محمد صلى الله عليه وسلم, فإبراهيم عليه السلام، قال: حسبي الله ونعم الوكيل، قال بعض السلف: "عرض جبريل لإبراهيم وهو في الهواء فقال: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ -يقولها جبريل الذي له ستمائة جناح أعظم الملائكة خلقاً, يقول له الروح الأمين: ألك حاجة يا إبراهيم؟ - فقال: أما إليك فلا.
حسبي الله ونعم الوكيل.
قال ابن عباس رضي الله عنها: [[إن ملك المطر قال: متى أؤمر فأرسل المطر ليطفئ النار عن إبراهيم]] , ولكن أرحم الراحمين، إله الأولين والآخرين، الذي بيده أزمّة الأمور، الذي إذا قال للشيء: "كن" فيكون، قال: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] صدر المرسوم الملكي الذي لا يعارض ولا ينازع: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] التوقيع من جبار السماوات والأرض, فخمدت تلك النار, يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: [[أي: لا تضريه]] وقال بعض المفسرين: لولا أن الجبار جلَّ وعلا قال: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] لآذى إبراهيم بردها.
بعد هذا المرسوم الكريم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] كيف صار إبراهيم؟ صار إبراهيم في مثل: الجوبة، حوله الناس وهو في روضة خضراء, والناس ينظرون إليه لا يستطيعون الوصول إليه وهو لا يخرج إليهم.
ويروى أن الطاغية الخبيث أبو إبراهيم لما نظر إلى إبراهيم في تلك الروضة، قال: نِعَمْ الرب ربك يا إبراهيم.
ويُروى أن إبراهيم عليه السلام مكث في المكان الذي ألقي فيه أربعين أو خمسين يوماً، فإنه قال: ما كانت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، وددت أن عيشتي وحياتي كلها مثل ذلك إذ كنت فيها.
هذا إبراهيم عليه السلام نصره الله، إبراهيم فرد، قام بأمر الله فنصره الله, فما بالكم بملايين المسلمين واليهود يعيثون فساداً في مقدسات الله؟!
الشيوعية تعيث فساداً في أنف المسلمين، والنصرانية تعيث فساداً في ديار المسلمين, وأهل البدع يعيثون فساداً في بلاد المسلمين، والمسلمون وهم يُعدُّون بالملايين, وإبراهيم واحد قام بأمر الله عز وجلَّ؛ ولكن الله لا يخلف وعده, فمن صدق مع الله وأخلص النية لله, فإن الله قد أصدر مرسوماً ملكياً يقرأ منذ أربعة عشر قرناً: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر:51].