وجوب أداء الحقوق لأهلها في الدنيا

عباد الله! بينما رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، جالس مع أصحابه ذات يوم، فرآه الفاروق عمر بن الخطاب يضحك، حتى بدت ثناياه، فقال له عمر رضي الله عنه: {ما أضحكك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي؟ قال صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ مظلمتي من أخي، فقال الله: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري، وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن تحمل عنهم من أوزارهم}.

فاتقوا الله عباد الله! إذا قال لك أخيك المسلم أعطني حقي قبل يوم القيامة، فأعطه حقه، ولا تماطل، اتقِ الله يا عبد الله فإن القيامة قريبة، فإذا مات العبد فقد قامت قيامته، يكفيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا حمل الرجال الجنازة فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني} الله أكبر إلى روضة من رياض الجنة، إلى أول منازل الآخرة إلى القبر {وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها} إلى حفرة من حفر النار، إلى أول منازل الآخرة، إلى القبر يشتعل عليه ناراً.

اتقوا الله عباد الله! في ذلك اليوم، يوم تتطاير الصحف، وتظهر النتيجة مَن الناجح ومَن الراسب، فهنيئاً لمن نجح وأخذ صحيفته باليمين، وويل ثم ويل لمن رسب وأخذها بالشمال.

عباد الله! أمة الإسلام كلنا ولله الحمد نؤمن بيوم الحساب ولكننا في غفلة عن الاستعداد لذلك اليوم، قد شغلنا في العمران، قد شغلنا بجمع الحطام، قد شغلنا في التكاثر في الأموال والأولاد، شغلنا في دنيا دنية، وانغمسنا في لذائذها؛ كأننا لا نعلم أننا سوف نموت ونلحق بالأموات، فيالها من قلوب قد استولت عليها أيدي الشهوات!

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة} زوروا القبور، مثلوا لأنفسكم أنكم ستجعلون في تلك القبور، في تلك الحفر، وتلك الحفر بينها فرق شاسع إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.

علت على القلوب الشهوات، ران عليها الران، قست فصارت كالحجارة، فسوف يلينها هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومرمل النساء، وميتم الأطفال، إذا هجم عليها واستخرج الروح من العصب والقصب واللحم، عند ذلك لا ينفع الندم، ترى الميت يتلمظ عطشاً، يريد شربة من ماء، يقلب بك البصر، يتمنى شربة من ماء، وأنت لا تدري ماذا يريد، يعاني من سكرات الموت التي عانى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاتقوا الله عباد الله! ولازموا طاعة مولاكم واسألوه أن يحيي قلوبكم، فإنه على كل شيء قدير، ارجعوا إلى المولى جلَّ وعلا، ارجعوا إلى ربكم، اقضوا أوقاتكم بذكر الله، بتلاوة القرآن، بالاستغفار، أحيوا مجالسكم بتلاوة القرآن، بتلاوة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لعل هذه القلوب أن تحيا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} [الزلزلة:1 - 6] أي: صفوف بين يدي الله، ولماذا يصدرون أشتاتاً؟ {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:6 - 8].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015