ثم إنهم في النار يتفاوتون في شدة العذاب؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته} إنها النار تأكل لحومهم وعروقهم، وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك، وهم في ذلك لا يموتون فيها ولا يحيون، اسمعوا إلى قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56].
وأما أوصافهم فإن الله خلقهم بهذه الصفة التي سوف يبينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع} متفق عليه.
وأما بعد النار يا عباد الله! فقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا ويل من كانت النار مثواه! يا ويل من كانت النار مثواه! يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -أي: منذ سبعين سنة- فالآن انتهى إلى قعرها}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا؛ لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وصحح هذا الحديث الألباني.
ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن أهون أهل النار عذاباً رجل له شراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، يرى أنه أشدهم عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً} رواه مسلم وللبخاري نحوه، ويروى: {أن الله عز وجل ينشئ لأهل النار سحابة، فإذا أشرفت عليهم ناداهم يا أهل النار! -هذا الفرق يا عبد الله! أهل الجنة ينادون للكرامة وأهل النار ينادون للإهانة- يا أهل النار! أي شيء تطلبون وما الذي تسألون، فيذكرون بها سحائب الدنيا والماء الذي كان ينزل عليهم، فيقولون: نسأل يا رب الشراب! فيمطرهم أغلالاً، فيقولون: نسأل يا رب الشراب فيمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرة يلهب النار عليهم}.