في ذلك اليوم الرهيب يقول صلى الله عليه وسلم: {أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مما ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم السامع، وتدنو منهم الشمس، ويبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون}.
كلنا نقف في ذلك اليوم لا تحسبوه للصحابة ولرسول الله، كلنا سوف نقف في ذلك اليوم حفاة عراة، وإن عمرنا سنيناً، وإن متنا قبل ذلك فسوف نقف في ذلك اليوم، يقول صلى الله عليه وسلم: {يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم السامع، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لأبيهم آدم: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة؛ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجر فعصيت، نفسي نفسي نفسي!} أبونا آدم يتبرأ في ذلك الموقف، وقد كانت معصيته بسيطة، نهاه الله فأكل من الشجرة، ونحن نضيع الصلوات، الصلاة إثر الصلاة، وإذا نُصِحْنا قلنا: (التقوى هاهنا) مكابرة ومعاندة لا اقتداءً برسول الله حين قال: {التقوى هاهنا وأشار إلى صدره} لكنه نعم المتقي، ونعم المطيع لله، أما أنت أيها العاصي، فكذبت وادعيت ما لم تأتِ به، وسوف تلقى هذه الكلمة في صحيفتك يوم تنشر يوم القيامة، وبعضهم يقول: التقوى هاهنا وهو لا يصلي مع جماعة المسلمين، أو وهو يحلق اللحية، أو وهو يتغشى المحرمات ويقول: الله غفور رحيم.
أبونا آدم أكل من الشجرة فمعصيته بسيطة ويقول: {نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح؛ فيأتون نوحاً فيقول مثلما قال آدم: نفسي نفسي نفسي! -أولو العزم من الرسل يتبرءون في ذلك الموقف الرهيب- اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى الكليم عليه السلام، فيقول: نفسي نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون إلى عيسى كلمة الله وروحه ألقاها إلى مريم، فيقول: نفسي نفسي! اذهبوا إلى محمد} لا إله إلا الله! يا لها من نعمة كبيرة على من جعله الله من أمة محمد، ولكنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسم لنا منهاجاً منيراً، ووضح لنا طريقاً مستقيماً، إذا سلكناه أوصلنا إلى الله، ولكنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: {يرد أناس من أمتي الحوض، فإذا أرادوا أن يشربوا مُنعوا فأقول: يا رب أمتي أمتي! فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك}.
هل شرعت لهم الفيديو يا محمد؟!
هل خلَّفت لهم التمثيليات والمسلسلات التي سهروا معها الليالي وتركوا الصلوات؟!
هل ألَّفت لهم الأغاني في الأشرطة يا محمد؟!
هل قلت لهم: احلقوا اللحى وقولوا: التقوى هاهنا؟!
يقول: لا يا رب.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن هو الهالك؟ هو الذي اجترأ على محرمات الله، وتعدى حدود الله؛ فبعداً لك أيها العاصي!
فيقول عيسى عليه السلام: اذهبوا إلى محمد فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: اجتهدوا حتى تنالوا هذه البشارة، إن قلبي ممتلئ بها من الليل، إنني إذا قرأت هذه البشارة استنار قلبي واطمأنت نفسي، ولكن إذا رأينا التقصير -يا عباد الله- والله مطلع على ما تبقيه فرائضنا: {اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد من قبلي، ثم يُقال: يا محمد يا محمد! ارفع رأسك وسل تعطى، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب! فيُقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة} يا رب نسألك أن ترحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم وفقنا لاتباع نهج محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا من أمة محمد المطيعين لك يا رب العالمين.
{يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب} أي: من أبوابها الثمانية منهم أبو بكر يدعى من أبواب الجنة الثمانية، ثم قال: {والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى} متفق عليه.