وشاب آخر يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً أطلق عليه أخوه الرصاصة عن طريق الخطأ، كان يمزح معه ويشير عليه فانطلقت الرصاصة من البندقية، فدخلت في نخاع ذلك الشاب الذي يبلع من العمر سبعة عشر عاماً وكان مستقيماً على طاعة الله؛ فحمل إلى المستشفى ومعه والده ووالدته، يلتفت إلى أمه، وإلى أبيه وهما يبكيان ويقول: يا أماه! يا أبتاه لا تبكيان، أنا ميت ميت، ولكني والله أرح رائحة الجنة، يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة، يقول الدكتور خالد الجبير الذي باشر العملية، فأدخلناه غرفة العمليات وجعلنا نخرج منه الرصاصة فجعل ينظر إلي ويقول: يا دكتور لا تتعب أنا ميت ميت لكني والله أرح رائحة الجنة، أدخل عليّ أبي وأمي حتى أودعهما، يقول: فأدخلنا عليه أمه وأباه فودعاه، فلم يلبث إلا قليلاً وقد مات، الذي يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة، يقول الدكتور: فخرجت من غرفة العمليات وقد انبهرت من هذا المشهد الذي رأيته، منذ عشرين سنة وأنا في هذه الغرفة ما مر عليّ مثل هذا المشهد، يقول فوقفت مع والده معزياً، فقلت: أخي في الله أخبرني عن هذا الابن كيف حاله؟ قال: إن سألتني فهو من حفظة القرآن -لا إله إلا الله- من حفظة القرآن.
ويقول: وكان محبباً إليه حلق القرآن، وفيه خصلة ما رأيتها في كثير من الناس، ما هي؟ قال: إذا بدأ يقرأ القرآن بدأت عيناه تدمعان، بدأت عيناه تذرفان بالدموع -لا إله إلا الله! - هنيئاً لك أيها الشاب يقول: والله إني لأرح رائحة الجنة وهو على وجه الأرض، نسأل الله أن يجمعنا وإياه في جنته إنه على كل شيء قدير.
نعم أيها الإخوة في الله! هذا الشاب الذي يرح رائحة الجنة، لماذا؟ لأنه من حفظة كتاب الله عز وجل، وحبب إليه حلق القرآن في المساجد، وأيضاً تلك الحالة التي أخبر بها والده: أنه إذا بدأ يقرأ القرآن تذرف عيناه بالدموع، لا إله إلا الله!
بالله عليك ألم تقرأ كتاب الله عز وجل؟ كيف أحوال أولياء الله الذين يقرءون القرآن؟ يقول الرب جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [الإسراء:107 - 108] ويقول جل وعلا: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58] ويقول جل وعلا: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109].
وأخبر جل وعلا أن البكاء يزيدهم خشوعاً -الله أكبر- أيضاً يخبر الله جل وعلا عن العلماء أنهم أهل خشية لله سبحانه وتعالى فيقول سبحانه وبحمده: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] فأعلمهم بالله أشدهم خشية لله تعالى، ولهذا يقول إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: {والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم به لما ألقى}.