فإذا جلس أهل الجنة في تلك المجالس، وفي ذلك الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجُمِعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه، فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -وحاشاهم أن يكون فيهم دني- على كثبان المسك.
ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا: {حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم، فإذا الجبار -جل جلاله وتقدَّست أسماؤه- قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا معهم يا أكرم الأكرمين، لا إله إلا الله! - وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى ويضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه؟ فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا؟ يذكِّره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب! ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى.
بمغفرتي بلغتك منزلتك هذه}.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
(جولة في رياض الجنة): إنها الجنة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن سألتم عن سعة تلك الجنة، فقد قال الرب جل وعلا: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133].
أما إن سألتم عن أبوابها فهي ثمانية.
أما إن سألتم عن سعة تلك الأبواب: فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يومٌ وهو كضيضٌ من الزحام.
اللهم اجعلنا من الداخلين من تلك الأبواب يا أرحم الرحمين!
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اختم بالصالحات أعمالنا.
اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.
اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا جميعاً هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
اللهم اجمعنا ووالدِينا ووالدِ والدِينا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا وأولادنا جميعاً، وإخواننا المسلمين والمسلمات في جنة عرضها السماوات والأرض يا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجودين!
اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم اجزِ القائمين على هذا المخيم خير الجزاء، اللهم اجزِ القائمين عليه خير الجزاء.
اللهم أصلح نياتهم وذرياتهم، اللهم وفقهم لفعل الخيرات، اللهم كما سخرتهم لهذا المخيم وهم يريدون الخير لإخوانهم فاجعل لنا ولهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية.
اللهم ارفع درجاتهم يا رب العالمين!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.