ظاهرة السهر الطويل

الأمر جد عظيم يا عباد الله! قال الله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] قبل سنين كنا لا نعرف الأفلام والمسلسلات يوم كنا لا نسهر طول الليل، يجلس الأب مع أولاده يعلمهم، يا ولدي! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ يا بنت! يا زوجة! كم أركان الإسلام؟ كم أركان الإيمان؟ كم أركان الإحسان؟ ما هو أكبر شيء أمر الله به؟ وما هو أعظم شيء نهى الله عنه؟ فيتفقّهون في البيت على العقيدة، ويحصل الخير الكثير وهم لا يشعرون، الملائكة تحفهم، ورب العالمين يذكرهم فيمن عنده سبحانه وتعالى، وتنزل السكينة، وتغشاهم الرحمة، لماذا؟ لأنهم في مجلس علم وذكر.

يا إخواني في الله: ما يضرك أن تجلس مع أولادك وتعلمهم، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ كم أركان الإسلام؟ كم أركان الإيمان؟ كم أركان الإحسان؟ ما هو أول شيء أمر الله به؟ وما هو أعظم شيء نهى الله عنه؟ فيعرفون ذلك ويتفقّهون في دين الله سبحانه وتعالى.

لكن الآن كيف أحوال بيوت المسلمين؟ مع ما أحدث الناس من هذه البدعة الشنعاء ألا وهو السهر الطويل الذي يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إن هذه بدعة تشتمل على أمور أيضاً محرمة عند الكثير، لا نقل عند القليل من الناس بل والله عند الكثير.

أولاً: إن السهر بدعة ابتدعها الكثير من الناس؛ لأنها مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهديه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، ثم جاء أقوام فأحدثوا هذا السهر وناهيك عن هذا السهر بماذا يقرأ؟ إذا قضى هذا السهر مع الأفلام والمسلسلات والأغاني الماجنات والبلوت والملاهي وغيرها كيف تكون الأحوال يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

ويا ليت هذا الذي يقضي ليله مع هذه المصائب والمعائب يا ليته يفكر ولو قليلاً، ويتفكر من الذي يكتب هذه المجالس وما فيها؟ وهو يؤمن إيماناً لا شك فيه أن الله وكل به ملك عن اليمين وملك عن الشمال، هذا يكتب الحسنات وهذا يكتب السيئات، من الذي يكتب تلك الجلسات -يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم- مع الأفلام والمسلسلات والبلوت والقيل والقال حتى ينتهي الليل، من الذي يكتبها يا إخواني في الله؟ هل يكتبها ملك اليمين أو يكتبها ملك الشمال؟ يكتبها ملك الشمال، وهل توضع في ميزان الحسنات أو توضع في ميزان السيئات؟ والله إنها توضع في ميزان السيئات -إي والله- إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً سبحانه وبحمده.

ملك اليمين لا يكتب والله جلسة مع المسلسل ولا مع التمثيلية ولا مع الأغنية ولا مع البلوت ولا مع الكنكان ولا يكتب الغيبة والنميمة، فكل هذه يكتبها ملك الشمال.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[ويلٌ لمن غلبت آحاده عشراته]] السيئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها، لكن الآن أكثر الأعمال بالسيئات -مع الأسف الشديد- إنا لله وإنا إليه راجعون!

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! انظروا الآن إلى أحوال المسلمين، الكثير من نساء المسلمين لما ترك لهن الحبل على الغارب ينظرن إلى هذه الأفلام والمسلسلات! انظر كيف حالهن؟ هل نساؤنا في هذه الأعوام المتأخرة مثل نساء المسلمين قبل ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة؟ لا والله يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قبل ثلاثين سنة أو خمس وثلاثين سنة لا ترى هذه العباءة الخفيفة، ولا ترى العباءة توضع على الكتف، ولا ترى هذا البرقع الفاسد الذي يظهر نصف الخدين، ولا ترى هذه الملابس المشقوقة عن اليمين والشمال والأمام، لا ترى هذا المظهر الفاضح، الذي أظهر العنق والذراعين واليدين والشعر، إنا لله وإنا إليه راجعون!

هل سمعنا يا إخواني بعدسات زرقاء وعدسات حمراء وخضراء وبيضاء؟!

هل سمعنا بها قبل سنوات؟! هل سمعنا بقصة الإفرنج تعملها المرأة المسلمة؟! لا والله ما سمعنا بهذا، ما الذي حلّ بالناس؟ لما رأوا هذه الأفلام والمسلسلات بدأ الكثير من الناس يجرون وراءها -نسأل الله العفو والعافية- إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

لذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح، قال: {صنفان من أهل النار لم أرهما، رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} والله لقد شاهدنا هذا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لكن أخي في الله! اعمل جهدك لتقي زوجتك وابنتك من هذه النار: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].

بيِّن لها يا أخي في الله! تجلس مع أهلك كما كان الآباء يجلسون مع أهلهم وأولادهم قبل سنين، اجلس يا أخي واعقد جلسة، اقطع العلاقات مع ذلك الجهاز الخبيث الذي أغفل الكثير من الناس، اقطع معه المجلس، وأتِ بكتاب من كتب أهل العلم واقرأ على الأهل والأولاد حتى يعمر البيت بذكر الله عز وجل، وتهرب منه الشياطين نسأل الله التوفيق والسداد.

ماذا فوت هذا السهر على الكثير من الناس من الخير؟! فوت عليهم فضائل عظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الليل ساعة لا يوافقها عبدٌ مؤمن يسأل الله إلا أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة} نسأل الله التوفيق والسداد.

وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل نزولاً يليق بجلاله وعظمته فيقول: {هل من سائل فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه} من يغتنم هذا يا إخواني في الله؟ من يحوز على هذا الفضل العظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ الليل له فرسان يمشون على طريقة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مستضيئين بنور القرآن الكريم، وفرسان يقودهم الشيطان في غياهب الهواء والضلال، نسأل الله العفو والعافية.

أما الفرسان الذين اهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين قال الله عنهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذريات:17 - 18] وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16] أما الفرسان الذين يقودهم الشيطان فهم الذين يتابعون تلك الأمور الفظيعة، نسأل الله العفو والعافية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015