ولعلكم تسمحوا لي لأني وعدتكم في بداية الكلام أن أذكر لكم قصيدة زين العابدين بن علي بن الحسين فأذكرها لكم الآن, يقول رحمه الله:
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن
تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
سفري بعيد وزادي لا يبلغني وقسمتي لم تزل والموت يطلبني
ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني
يا زلةً كتبت يا غفلةً ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تقتلني
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني
ما كان عنده أفلام ولا عنده تمثيليات, كيف لو رأى الآن أحوال بعض المسلمين التي يرثى لها؟ إنا لله وإنا إليه راجعون, كيف لو رأى أحوال نسائنا في الشوارع متبرجات سافرات فاتنات مفتونات؟!
وكيف إذا نظر أحوال الناس وهم يحلقون اللحى، ويقصون قصة الهر والأسد وغيرها؟!
كيف لو نظر أحوال الناس وهم يسبلون الثياب في هذه الأزمان؟!
كيف لو نظر أحوال الناس وهم لا يعرفون صلاة الفجر إلا في رمضان؟!
كيف لو نظر أحوال الناس وهم يتسابقون على الربا يحاربون الله ورسوله علانية؟!
كيف لو نظر إلى الناس وهم يتساقطون صرعى سكارى فدية للمسكرات والمخدرات؟! فيقول:
دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرةٌ منها تخلصني
ثم يصف لنا الحالة التي سوف تمر بنا جميعاً, ويقول:
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني
وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني
وغموضني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن
وقام من كان أولى الناس في عجل إلى المغسِّل يأتيني يغسلني
وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن
فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني
وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني
وأنزلوني إلى قبري على مهل وأنزلوا واحداً منهم يلحّدني
فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني
وقال هلّوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
في ظلمة القبر لا أم هناك ولا أب شفيق ولا أخ يؤنسني
وهالني صورة في العين إذ نظرت من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهما ما كان أفزغني
فامنن عليَّ بعفو منك يا أملي فإنني موثق بالذنب مرتهني
ثم قال رحمه الله:
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني
وزر الربا, والغش, والخداع, والمساهمات الربوية, وأشرطة الفيديو, وأشرطة الكاسيت الأغاني, وكتب الزندقة والإلحاد, والجرائد والمجلات صارت على ظهره، والورثة يأخذون الأموال, اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا, ثم يقول رحمه الله:
فلا تغرنَّك الدنيا وزينتُها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الزاد والكفن
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني
ثم أيضاً أذكر البيتين لبعضهم, وهو يذكرنا ما الذي يحصل بعد الموت, يقول رحمه الله:
يوم القيامة لو علمت بهوله
يا إخواني! لو أن النهاية بالموت كان الأمر بسيط، لكن بعد الموت أمور عظيمة, القبر والوقوف بين يدي الله.
يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهلٍ ومن أوطاني
يوم تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولداني
ثم يقول الآخر:
وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور
اللهم ارزقنا الإيمان بعذاب القبر ونعيمه, وارزقنا الإيمان بيوم البعث والنشور, واجعلنا ممن يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض يا رب العالمين.
اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده تفرقا ًمعصوماً, ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً, اللهم أحسن ختامنا, اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان يا رب العالمين, اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة, ولا تجعلها حفرة من حفر النار يا رب العالمين.
اللهم اجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جنات الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين, اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بتوبة نصوحاً يا رب العالمين, اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تطهر بها قلوبنا وتمحص بها ذنوبنا وتحصن بها فروجنا يا رب العالمين, اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك, وأغننا بفضلك عمن سواك, اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا, اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم أصلحنا وأصلح أولادنا وزوجاتنا وإخواننا وأخواتنا, واجعلنا جميعاً هداة مهتدين, ندعو إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، نأمر بالمعروف ونفعله وننهى عن المنكر ونجتنبه, إنك على كل شيء قدير.
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان, وأغث أوطاننا بالقطر النافع يا رحمن, اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.