الحمد لله معز من أطاعه واتقاه, ومذل من خالف أمره وعصاه, الناصر لمن ينصره من أهل طاعته وأوليائه, الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه, ولا تأخذهم في ربهم لومة لائم, ولا يخشون أحداً سواه، ويحبون لحبه ويبغضون لبغضه, ويوالون أولياءه ويعادون أعداءه, ويجاهدون أهل معاصيه بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، طاعة لله.
أحمده سبحانه حمداً يملأ الأرض والسماء, وأشكره على سوابغ نعمه آلائه, ونعوذ بالله من زوال نعمه إنه على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الذي يغار إذا انتهكت محارمه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أنه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعلان بترك الواجبات, واستخفاف بحق رب الأرض والسماوات, وإعلان بظهور المنكرات، وإعلان بعلو الفسقة.
عباد الله: إن تلقي بعض الناس لبعض الفساق والعصاة، ورفعة أهل المعاصي، وذل أهل الطاعات موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقت جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وسبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات, مثل أمراض السل والسرطان, ومثل الأمراض التي استعصت على كثير من الأطباء.
إن بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لتسلط الأعداء وجور الولاة, فماذا يرتقب مرتكب المحظورات المعرض عن الله تهاوناً وعدم مبالاة؟! أما سمعتم الله يقول في محكم الآيات: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
عباد الله: أما سمعتم بما فعل بالقرون الخاليات من أنواع التدمير والعقوبات؟! منهم من خسفنا, ومنهم من أرسلنا عليه حاصباً, ومنهم من أغرقه الله، وما حل بهم من أليم العذاب والهلكات, التي يصلون بها إلى نار الجحيم والحسرات, ويُحْرَمون بركات الأعمال والأرزاق.
عباد الله: أما سمعتم بعظيم عذابه لمرتكب المحرمات, وبمن لم ينكر المنكرات، روى الإمام أحمد رحمه الله عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعقاب من عنده، قلت: يا رسول الله! أما فيهم يومئذٍ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع بهم؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس}.
في الأثر: لا تزال هذه الأمة تحت يد الله, وفي كنف الله, ما لم يمالئ قراؤها فساقها, وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن شرارها خيارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده, ثم سلط عليهم جبابرتهم, فساموهم سوء العذاب ثم ضربهم بالفاقة والفقر, وروي عن نبيكم صلى الله عليه وسلم: {إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل, فتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام، لعنهم الله عند ذلك, فأصمهم وأعمى أبصارهم} ويقول صلى الله عليه وسلم: {وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم}.
وتقول عائشة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: {يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم}.
أمة الإسلام: لنستمع إلى هذا الحديث بإمعان، يقول صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم وتسألوني فلا أعطيكم} فما بعد هذا الحرمان -يا أمة الإسلام- حُرمنا القطر من السماء لأي شيء يا عباد الله؟ بظهور المنكرات وانتشار المعاصي, فإليك اللهم المشتكى, وإنا لله وإنا إليه راجعون!
يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: {يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنّ ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا, ولا نقص قوم المكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم, فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم}.
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر, حتى تكونوا من الذين قال الله فيهم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] ويقول جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].
اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.