خرج صلى الله عليه وسلم من بيته -وهم ينتظرون خروجه- صلى الله عليه وسلم وأخذ التراب وجعل يضعه على رءوسهم وهو يتلو قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] وخرج من بين أيديهم صلى الله عليه وسلم سالماً، في ذلك الحين أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، فهاجر في شهر ربيع الأول، وكان في صحبته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فاختفيا في غار ثور ثلاثة أيام والمشركون يطلبونهم من كل وجه، حتى وقفوا على الغار الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فيقول أبو بكر: {يا رسول الله، والله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما} الله أكبر، لا إله إلا الله ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وسارا إلى المدينة بحفظ الله ورعايته، فلما سمع الأنصار بذلك المقدم المبارك، جعلوا يخرجون كل يوم إلى حرة المدينة ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم هو النور بإشراقته.
اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محيطين به متقلدين سيوفهم، وخرج النساء والصبيان وكل واحدٌ منهم يأخذ بزمام ناقته يريد أن ينزل عنده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {دعوها فإنها مأمورة} حتى إذا أتت إلى محل مسجده -المسجد النبوي الشريف- بركت فيه فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكن في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، حتى بني المسجد ومساكنه صلى الله عليه وسلم.