عباد الله: إن الله ليس بظلام للعبيد، وليس بينه وبين خلقه نسباً، فتلكم -يا عباد الله- عواقب المعاصي والإجرام وتعدي حدود الله، فإن الله يملي للظالم فإذا أخذه فإنه يأخذه أخذ عزيز مقتدر، واسمعوا إلى القرآن وهو يخبر عن أمة كفرت نعم الله وجحدتها قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15 - 17].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه السلام من جملتهم، وكانوا في نعمةٍ وغبطةٍ في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله تبارك وتعالى الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده تبارك وتعالى، ويعبدوه حق عبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد شذر مذر، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} [سبأ:18] ولكنهم عافوا هذه النعمة، وسئموها كما سئمت بنو إسرائيل المن والسلوى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19].