موقف آخر: يقال لروح المؤمن -وهي تصعد في السماوات ويفتح لها- من هذه الروح؟ فيقال: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، ثم يقال لها: أعيدوها إلى الأرض, فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى.
ثم يفسح له في قبره مدّ البصر، ويفتح له باب إلى الجنة يأتيه من روحها وطيبها، ويأتيه عمله الصالح بصورة شاب حسن الوجه طيب الريح، يقول له: أبشر بالذي يسرك! فيقول له: من أنت؛ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فهذا موقف طيب ليسر به أحسن مما كان عند أهله وأولاده، فعند ذلك يقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة؛ لأنه عندما نجح في هذا الموقف مع الملكان عندما سألاه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وبادر بالإجابة، وأعطي تلك الكرامات في هذا القبر, وكان قبره روضة من رياض الجنة, فعند ذلك ضمن ما بعده، وهي الدرجات العلا في جنات النعيم.
هذا الموقف أيها الإخوة في الله! يحتاج للإنسان أن يتفكر فيه، وهل كل إنسان يحوز على هذا الموقف؟! الله سبحانه وتعالى يقرر هذا في كتابه الكريم ويقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فثبته الله في الموقف الأول عند خروج الروح أن خرجت روحه على كلمة التوحيد، على شهادة أن لا إله إلا الله، وثبته الله سبحانه وتعالى في قبره عندما سأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم.
أما غير المؤمن فإنه إذا قيل له: قل لا إله إلا الله عند خروج الروح، فإنه لا يأتي بلا إله إلا الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يثبته على القول الثابت، وتخرج روحه على ما عاش عليه في هذه الحياة الدنيا من اللهو والعبث والإعراض عن طاعة الله عز وجل.