الوقوف بين يدي الله يوم القيامة

أيها الإخوة في الله: إنها أمور عظيمة عندما تحين قيام الساعة الكبرى، فعند ذلك يحين للقيامة القيام، فتذكر يا ابن آدم! ذلك الموقف العظيم، عندما تكون حافي القدمين، عاري الجسم، حاسر الرأس، تعلوك المذلة وأنت منفردٌ بأحزانك وهمومك وغمومك، القلب خائف والبصر خاشع: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] فتذكروا -يا عباد الله- وقوفكم يوم القيامة، ثم تذكروا إقبال الوحوش في ذلك اليوم العظيم منكسة رءوسها، ثم تذكروا هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم عندما تكور، والقمر عندما يخسف به، والنجوم عندما تتنثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] قيل: تذوب كما تذوب الفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ من شدة الأمر وهول يوم القيامة، حقاً إنه يوم يجعل الولدان شيباً.

يا ابن آدم! تذكر شدة الوقوف وقد أدنيت الشمس من رءوس الخلائق، يا ابن آدم! يا من اغتر بإمهال الله له! يا من اغتر وتمادى بالغفلة والعصيان!

يا ابن آدم! أتظن أنك مهمل؟ لا ورب العزة والجلال.

يا ابن آدم! تذكر شدة الوقوف وقد أدنيت الشمس من رءوس الخلائق، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس وزحام الأجسام، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم، فمنهم من يبلغ منهم العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً.

وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وانضاف إلى كثرة الأنفاس ازدحام الأنفاس والعطش، ولا نوم ولا راحة، ثم تذكر يا ابن آدم في ذلك الموقف العظيم قول الملك العلام: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] تذكر يوم أن يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يجره سبعون ألف ملك، في ذلك اليوم العظيم لا يبقى ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌ مرسلٌ إلا جثا على ركبتيه، يقول: يا رب نفسي نفسي.

ثم تذكر عندما يتبرأ منك الولد والوالد، والأخ والصاحب لما في ذلك اليوم من المزعجات والقلاقل والأهوال، التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر.

أيها الإخوة في الله: لا أنسى أن أذكركم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني آليت على نفسي ألا أجلس مجلساً مثل هذا المجلس إلا ذكرته لإخواني؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} فالحديث -أيها الإخوة في الله- يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه}.

هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

أيها الإخوة في الله: متى؟ في ذلك اليوم العظيم الذي ظهرت فيه المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والذعر.

اسمعوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم {كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها، فنعس، فتذكرت الآخرة، فبكت، فسالت دموعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيكِ؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرت الآخرة.

هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن فإنه لا يذكر أحدٌ أحداً إلا نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند الصراط}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015