الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، المحذر من سخطه وعصيانه، الناصح لأمته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واحذروا من أسباب سخطه وعقابه، وخذوا على أيدي سفهائكم وأطروهم على الحق أطراً، وحذروهم من فاحشة اللواط، وحذروهم من الجريمة الشنعاء التي تشمئز منها القلوب، وتقشعر منها الجلود، وأعلموهم أن أهلها ومتعاطيها على خطرٍ عظيمٍ من عذاب الله عز وجل العاجل والآجل؛ كما أخبر الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82] أي: مطبوق: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83].
قال قتادة وعكرمة رحمهما الله: يعني ظالمي هذه الأمة، وما هذا العذاب من ظالمي هذه الأمة ببعيد.
فهؤلاء قوم لوط ما أجار الله منهم ظالماً، بل جعلهم آيةً للعالمين، وموعظةً للمتقين، وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارهم في طريق السالكين، وأمر جبريل عليه السلام فأدخل جناحه تحت منازلهم فاقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها وأمطرت عليهم حجارةٌ من سجيل، وكانت تلك القرى فيما ذكر أربع قرى، وقيل: خمس فيها أربعمائة ألف، وما يعجز الله من شيء، فقلبها عليهم وما يتبعها من الضواحي فنسأل الله العفو والعافية.
ويروى في الحديث: {لا تذهب الليالي والأيام حتى تستحل هذه الأمة أدبار الرجال كما استحلوا أدبار النساء، وتصيب طوائف من هذه الأمة حجارةٌ من ربك} فلما عتوا وتمردوا واستمروا على العمل الخبيث، أخذهم أمر الله وهم نائمون، وجاءهم بأسهم وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ما يكسبون.
تقلبوا على تلك اللذات طويلاً، فأصبحوا بها يعذبون، ورتعوا مرتعاً وخيماً، فأعقبهم عذاباً أليماً، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم، وبكوا على ما أسلفوه، فجرت دموع الدم، ويقال لهم وهم إلى العذاب يسحبون: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر:24] {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].
فاتقوا الله -عباد الله-: واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون، وتوبوا إلى الله جميعاً -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون، وخذوا على أيدي السفهاء وذودوهم عن مراكع الهلكة، فإنكم عنهم مسئولون أمام الله عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وصلوا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً؛ صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم على من بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اقمع أهل الشر والفساد والعناد الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، اللهم اقمعهم، اللهم اكبتهم، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، وما يئوون إليه من الفساد واجعل دائرة السوء عليهم يا رب العالمين! اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين!
اللهم جنبنا وإياهم جميع المنكرات، وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين!
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين -يا رب العالمين- غير ضالين، ولا مضلين، ولا مفتونين، ولا مغيرين، ولا مبدلين يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامةً يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوفٌ رحيم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.