سنة الاعتكاف في العشر الأواخر

عباد الله: اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدَّ المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها}.

فمنها: الاعتكاف: فإنه كان يداوم عليه في العشر الأواخر حتى توفاه الله تعالى، يطلب فيها ليلة القدر، وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم، ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أن المعتكف لا يُستحب له مخالطة الناس، ولا حتى لتعليم عِلم، بل الأفضل له الانفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره، ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد؛ لئلا يترك به الجمعة والجماعات؛ فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها، لذلك [[سئل ابن عباس، ترجمان القرآن، وحبر هذه الأمة عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد الجمعة والجماعة، فقال: هو في النار، ثم سأله السائل بعد شهر، فقال: هو في النار]].

أمة الإسلام: عليكم بالخلوة المشروعة لهذه الأمة، وهو الاعتكاف في المساجد، خصوصاً في شهر رمضان، وبالأخص في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله، وعكف بقلبه وقالِبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقي له همٌ سوى الله، وما يرضيه عنه؛ فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الاعتكاف يأمر بخباء، فيُضرب له في المسجد، يخلو فيه بربه عزَّ وجلَّ، فإذا صلى الفجر دخله، وكان إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان الضرورية، وكان يُخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فترجله وتغسله، وهو في المسجد، وهي حائض، وكان بعض أزواجه تزوره وهو في معتكفه، فإذا قامت لتذهب قام معها يوصلها، وذلك ليلاً، ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف، لا بقبلة، ولا بغيرها، كل هذا تحصيل لمقصود الاعتكاف ووجهه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكَف موضع عِشْرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، وربما أتى بعضهم بتلفاز، وربما بعضهم أخذ الجريدة اليومية، فهذا لونٌ، والاعتكاف النبوي لون آخر.

لله در القائمين بليلهم يدعون رباً للقليل شكورا

قوم أقاموا للإله نفوسهم فكسا وجوههم الوسيمة نورا

تركوا النعيم وطلقوا لذاتهم زهداً فعوضهم بذاك سرورا

قاموا يناجون الحبيب بأدمُعٍ تجري فتحكي لؤلؤاً منثورا

ستروا وجوههم بأستار الدجى ليلاً فأضحت في النهار بدورا

وإذا بدا ليل سَمِعْتَ أنينَهم وشَهِدْتَ وَجْداً منهمُ وزفيرا

يخافون من النار ويرجون من الله الجنة.

تعبوا قليلاً في رضا محبوبهم فأراحهم يوم المعاد كثيرا

الله أكبر! هؤلاء الرجال، ما عرفوا التمثيليات، ولا الأفلام، ولا البَلُوْت، ولا الكِنْكَان.

مع الأسف الشديد كيف يقضي بعض الناس أوقاتهم في ليالي رمضان؟!

النساء: في التبرج.

وكبار السن: قد عكفوا على البَلُوْت، والكِنْكَان، إلا من رحم ربك, والشباب: عكفوا على الكرة وغيرها, والأطفال: لا تسمع لهم إلا الصيحات في الشتائم واللعنات مع الأسف الشديد.

اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين.

اللهم وفقنا، وأيقد في قلوبنا نار الغيرة ومحبتك، يا رب العالمين؛ حتى نعرف قدر هذه الأشهر المفضلة، ونرجع إليك يا ربنا.

عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، الذي ترككم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوا عليه وسلموا تسليماً، فقد أمركم بذلك رب العزة والجلال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] يقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وإحسانك، يا رب العالمين.

اللهم يا واحدٌ أحد، يا فردُ يا صمد، يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا عليُّ يا عظيم، يا حليمُ يا عليم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، يذل فيه أهل الخنافس، وأهل المغازلة، الذين آذوا الناس في أعراضهم، وفي بناتهم، وزوجاتهم، وفي بيوتهم بهواتفهم.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والزيغ والفساد والعناد، يا رب العالمين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، إنك على كل شيء قدير.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه, اللهم اجعلنا وإياهم ممن يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه.

اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف، اللهم قَوِّ دعائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, اللهم من وقف أمام أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخذه -يا رب- أخذ عزيز مقتدر، وأرح منه البلاد والعباد، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين.

اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين.

اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والتبرج والسفور، وجميع الفتن التي ظهرت في أسواقنا، وفي بيوتنا، وفي قلوبنا، يا رب العالمين.

اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، وأجرنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

عباد الله: أكثروا من ذكر الله عزَّ وجلَّ، اذكرو الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، وأكثروا من سؤال الله الجنة، وتعوذوا بالله من النار، وأكثروا من الاستغفار.

اللهم تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم, اللهم صلَِّ على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015