ولما دنا العدو، وتواجه القوم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً، فوعظهم وذكَّرهم، بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظفر العاجل، وثواب الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فقام عمير بن الحمام رضي الله عنه، فقال: {يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: نعم.
قال: بخٍ بخٍ يا رسول الله! قال: ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها, قال: فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهنَّ، ثم قال رضي الله عنه: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قُتل} فكان أول قتيل في غزوة بدر.
ثم حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب، واشتد القتال، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وذلك بإيحاء من الله- ملء كفه من الحصباء، فرمى بها وجوه القوم، وقال: {شاهت الوجوه} فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه، ومنخريه، وفمه، واشتغلوا بالتراب في أعينهم، وشُغل المسلمون بقتلهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في شأن هذه الرمية، على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] , وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم.
وانتهت المعركة، وقد أعز الله جنده، وانهزم المشركون وتساقطوا بأيدي المسلمين، منهم سبعون صريعاً، ومنهم سبعون أسيراً.