عباد الله: هناك مصيبة عظمى يرتكبها بعض الناس، وهي ما يوجد من الولائم التي تشبه الكثير من الناس فيها بالشياطين؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] ما هو الداعي -يا عبد الله- إلى أن تستأجر هذا الفندق لليلة الزواج؟ هل فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل فعل هذا أبو بكر الصديق؟ هل فعل ذلك عمر بن الخطاب؟ هل فعل ذلك عثمان بن عفان؟ هل فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ لا.
ثم لا.
ثم لا.
إذاً: لأي شيء نرجع؟ نرجع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور} اسمعوا يا عباد الله! الخطاب لكل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فيقول له صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحدثات الأمور، فالذي يقع الآن كله -والله- من محدثات الأمور، ومن البدع التي يحاربها الإسلام.
أيها المسلمون: إن أكثر الناس اليوم تشبهوا بالشياطين، وأسرفوا والله لا يحب المسرفين، فما هو الداعي أيها المسلم لعمل تلك الولائم الهائلة الضارة بالمتزوج؟ هل تعلمون من هو المستفيد من هذه الولائم؟
صلى الله عليه وسلم هي الحفر في البر والقفار، وذلك واقع، أكثر الناس اليوم يسرفون ويبذرون ثم يحملونها لإلقائها في تلك الحفر، وربما وضعت في المزابل مع حفائظ الأطفال، هذا واقع المسلمين الآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
هل تدري -يا عبد الله- أن لك إخواناً يتمنون كسرة الخبز، يتمون التمرة التي طالما تمنوها وأنت تجعلها في القمائم مع الزبائل؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
عباد الله: عاقبة التبذير والبذخ وخيمة وأليمة، ألا فلنتق الله عز وجل، ولنقتصد قبل أن يحل بنا ما حل بالمجاورين من زوال تلك النعم حتى صاروا بعد الشبع جياعاً، ورجعوا إلى ما كانوا يرمونه في براميل النظافة، رجعوا يأكلونه ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأكلوا أشياء لا نذكرها، فكلكم تسمعون عنها وتقرءون في المجلات وغيرها {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:33].
اللهم إنا نعوذ بك من زوال النعمة، وتحول العافية، وفجاءة النقمة، اللهم اجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوما، وارزقنا التطبيق لما نسمع يا رب العالمين، اللهم ارزقنا التطبيق لما نسمع، فلعلنا نسمع في الأسبوع القادم -إن شاء الله- أن تكثر مناسبات الزواج، كل أب نصوح يبحث لابنته عن زوج صالح، فأسأل الله أن يحقق ذلك إنه على كل شيء قدير.
عباد الله: صلوا على الناصح الأمين، امتثالاً لأمر رب العالمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلَّى علي صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أيقظنا من رقداتنا حتى نحذوا حذوا سلفنا الصالح يا رب العالمين، وما ذلك على الله بعزيز، إنما علينا أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد جاءني شاب يقول: أنا من زمن التاسعة في العمر، وأنا أستمع الأغاني حتى بلغت الثامنة عشر من عمري، وجعلت أستمع إلى أغانٍِ شيطانية أجنبية، حتى يقول: لا أعرف معناها، يقول: فصار يداخلني إذا سمعتها مثل القشعريرة حتى أني أبكي من سماع الغناء، أين هذا البكاء من سماع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه} فاتق الله أيها الأب! خاف الله وراقبه! فإغضابهم في الدنيا أهون من أن يغضبوا عليك أمام رب العالمين، كيف بك إذا تعلق بك الابن، وتعلقت بك البنت، وتعلقت بك الزوجة، يقولون: يا ربنا! ظلمنا رب البيت، يا ربنا! ظلمنا هذا، والابن والبنت والزوجة تقول: ظلمنا، فيقول: يا رب! ما ظلمت، كيف أظلمهم وهو الليل والنهار يكد عليهم ليجد لهم لقمة العيش؟
فيقولون: لا.
ولكنه رآنا على المنكر فلم ينهنا، ولم يأمرنا بالمعروف، فأعدوا لهذا السؤال جواباً، للجواب صواباً.
فكروا يا عباد الله! اعمروا بيوتكم بطاعة الله، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، فإن الله جاعلٌ من صلاتكم في بيوتكم خيراً} ما هذا الخير؟ هو الاقتداء، يقتدي بك أهلك وأولادك، ولكن إذا كان البعض لا يصلي -والعياذ بالله- بعض الشباب الآن يقول: آباؤنا لا يصلون، فإنا لله وإنا إليه راجعون! بعض الأبناء يبكي لماذا تبكي أيها الابن؟ فيقول: أبي إذا رآني أصوم الإثنين والخميس يضربني، ويقول: افطر، حتى لا تكون موسوساً ولا مجنوناً.
مع الأسف الشديد! أنت المجنون الذي تحارب هذه الفطرة، وهذا الخير الكثير، والله لو كانت الهداية تُشترى لاشتريناها ببعض طعامنا، ولكنها بيد الله عز وجل.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم ثبتهم على قول الحق يا رب العالمين، وأجرنا -جميعاً- يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شئ قدير، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا رب العالمين! اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين أجمعين، اللهم قيظ لهم الجلساء الصالحين الناصحين، الذين يذكرونهم إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، واجعلنا هداة مهتدين وتوفنا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، وأشغلوا أنفسكم بذكر الله تحيا قلوبكم وتقربكم من الله، واشغلوها بالحمد والشكر والثناء على الله، فإن بالشكر تدوم النعم، وبكفرها تزول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.