الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه على بصيرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون بالله حقاً! اتقوا الله تعالى وتفكروا في آياته الدالة على كمال قدرته؛ لتزدادوا بذلك تعظيماً لله تعالى وعبادة، فلقد خلق الله تعالى السماوات والأرض وما بينهما بما في ذلك: الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والأنهار، خلق تلك المخلوقات في ستة أيام على أكمل وجه وأتمَّ نظام، ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50].
ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام؛ لحكمة اقتضت ذلك: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] ولقد خلق الله الإنسان من سلالة من طين، خلق منها: أبونا آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، من منيٍّ يمنى، قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:6 - 7] ثم تستقر تلك النطفة في قرار مكين لا يعتريه شمس ولا حر ولا هواء ولا برد، يطوره الله تعالى في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء، أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام وهي أربعة أشهر -وفي بعض الروايات: وعشراً- أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة؛ فنفخ فيه الروح، فأصبح إنساناً بعد أن كان جماداً: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14].