إن العقل نعمة كبرى، وقد يجني البعض من بني آدم على هذا العقل، ويزيل هذا العقل بما حرَّم الله عليه، وذلك بتعاطي المسكرات والمخدرات من خمورٍ وغيرها -نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة- وهذه المسكرات من الخمور -وغيرها- توعد الله فاعلها بالخزي في الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127] لأن الخمر أمُّ الخبائث، ورأس الخطايا، ودليل إلى النار، وسبب لغضب الجبار، فهي التي تيسر للعبد سُبلَ الفساد، وتجعله يشتري الجنون بدل الرشاد، يشتري الجنون بماله الذي تعب فيه، ويبيع كنزاً ثميناً، بل يجني عليه أكبر جناية ألا وهو العقل، الذي ركَّبه الله فيه، ولكن صدق الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
عباد الله: أخبروا السِّكير، أخبروا صاحب المخدرات والمسكرات؛ أنه خاسرٌ لشرفه، أخبروا السِّكير أن مروءته ساقطة، أخبروا صاحب المخدرات والمسكرات أنه مرذولٌ بين المجتمعات.
عباد الله: أخبروا صاحب المخدرات عن نفسه، ماذا يحصل له حال سكره؟! لو يرى نفسه وهو يمشي مثل البهيمة التي تقاد لتذبح، بل البهيمة تميز بين الحفر، فتبتعد عنها، أما السِّكير فهو في حالة يُرثى لها، لو رأى الناس وهم يضحكون عليه كما يضحكون على القردة، السِّكير لو رأى أهله وهم في حالة ذُعرٍ وخوف عندما يشرب المسكرات ويصول في بيته كالثور الهائج.
ولو رأى نفسه حين يرى نفسه، وهو يُقذِّر على ثيابه، ويبول كما يفعل الطفل الصغير.
قولوا يا عباد الله! لصاحب المخدرات والمسكرات: أين عقلك وقد وضعت من وراء قضبان الحديد، تتمنى أن تجتمع مع أبيك وأمك، تتمنى أن تجتمع مع إخوانك وأصدقائك، وقد وضعت وراء القضبان، حرمت لذة الاجتماع مع الوالدين، ومن الذي جنى عليك إلا أنت الذي جنيت على نفسك، أين كرامتك حين يراك من كان يظن أنك من المكرمين؟!
أيها السِّكير! تذكر وأنت تستعمل المسكرات والمخدرات أن الله مُطَّلعٌ عليك، فأين الخوف من رب العالمين؟!
أين الخوف من الذي أطعمك وسقاك وغذَّاك بنعمته، وأعطاك الصحة والعافية؟!
بل من أين لك الجواب إذا سُئِلت عن هذه الأموال التي تنفقها في المخدرات والمسكرات؟!
أيها السِّكير! فكِّر في العواقب، فإن كنت تاجراً فلا تأمن الإفلاس، فإن الله قد توَّعد شاربها بالفقر والجنون والفضيحة بين الناس، وإن كنت -أيها السِّكير موظفاً، فستكون عاقبة أمرك التشريد والطرد من الأعمال، مع ما تصاب به من الأمراض الفتَّاكة، هذا في الدنيا قبل الممات.
ثم إن كثيراً من أهل المخدرات والمسكرات قد جُلبت لهم سوء الخاتمة عند سكرات الموت، وعند خروج الروح، فيا لها من خسارة عندما يخرج من الدنيا، ولم يقل: لا إله إلا الله!! فكم من سكِّير عربيد عند الاحتضار قيل له: قل: لا إله إلا الله، قال: ناولوني الكأس! ناولوني الكأس! وخرجت روحه وهو ينادي يريد الكأس! ثم في البرزخ يأتيه هذا العمل الخبيث، ثم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، يجاء بشارب الخمر مسود الوجه، خارج لسانه على صدره، يستقذره كل من يراه، فيصار به إلى جهنم وبئس المصير.
فيا أيها السِّكير! تب إلى الله ما دمت في زمن الإمكان.
عباد الله: قولوا لهم يتوبوا إلى الله ما داموا في زمن الإمكان، ويقلعوا عما هم فيه ما داموا في زمن الإمكان.
عباد الله: قولوا للسِّكير: ويلك لقد جاهرت بالمنكرات، وأذهبت عقلك بالمسكرات، وارتكبت بسببها المحرمات.
هل تصدقوا -يا عباد الله- أن شاباً لما شرب الخمر، عمل بأمه جريمة الزنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا لها من مصيبة لا تقدر بمصائب الدنيا بأسرها!! يركب أمه ويفعل بها الزنا؛ لما شرب المسكر يا عباد الله! إنا لله وإنا إليه راجعون.
إن السِّكير إذا وضع كأس الخمر على فيه، يقول الإيمان للكأس: انتظر حتى أخرج من القلب، وحل أنت فيه، فإنه لا يجتمع الخمر والإيمان معاً في قلب المؤمن، هكذا ورد في الأثر يا عباد الله.