انتقلت سورة الانفطار في مواعظها إلى مواعظ أخرى وهي لتذكير الإنسان الغافل الجاهل، الذي جحد نعمة ربه وكفرها, حيث أوجده رب العالمين من العدم, وجعله سوياً سالم الأعضاء يسمع ويعقل ويبصر وجعله معتدل القامة منتصباً في أحسن شكل وهيئة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6].
لقد خلق الله جلَّ وعلا الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه ونعمه، وفضله على كثير من المخلوقات, وجعله إنساناً سميعاً بصيراً ذا عقل وفهم، وميزه عن غيره من الحيوانات.
ثم نأتي ونبين نُبذة من خلق آدم عليه السلام, لما أراد الله جلت قدرته أن يخلق آدم أخذ من الأرض قبضة من التراب, ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون, ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالاً كالفخار, ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات وصورها فأبدع في تصوريها, وأظهرها في أحسن أشكال, وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها, وهيأ كل جزء منها لما يراد منه, وقدره لما خلق له على أبلغ الوجوه, والملائكة تراها ولا تعرف ما يراد منها؛ لأنهم لا يعلمون الغيب, إنما الغيب لله عز وجل, وإبليس يطوف بها ويقول: "لأمر ما خُلِقَتْ" فلما تكامل تصوريها وتشكيلها وصارت جسداً مصغراً مشكلاً كأنه ينطق إلا أنه لا روح فيه ولا حياة, طينة مُنجدل أرسل إليه روحه جلَّ وعلا، ونفخ فيه نفخة وقال له: كن فانقلب ذلك الطين لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وسمعاً وبصراً وشماً ولمساً وحركة وكلاماً, لا إله إلا الله المتفرد بالخلق والإيجاد.
ولما وصلت الروح أنف أبينا آدم عطس عليه السلام, فأول شيء بدأ به من الكلام أن قال: الحمد لله رب العالمين, فقال له الرب جلت قدرته: يرحمك الله يا آدم, فاستوى جالساً أجمل شيء وأحسنه منظراً, وأتمه خلقاً وأبدعه صورة, فقال الرب تبارك وتعالى لجميع ملائكته: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف:11]-الله أكبر يا بن آدم! كرمك الله عز وجل، أسجد الملائكة لأبيك آدم- فبادر الملائكة الكرام بالسجود تعظيماً وطاعة لأمر الواحد المعبود, إلا إبليس الخبيث أبى واستكبر، حسد آدم، ولأجل آدم أخرج وطرد من ملكوت السماء، وصار شيطاناً رجيماً مريداً لعنه الله, طرده الله من رحمته فصار قواداً لكل شر, خبيثاً يدعو الناس إلى جهنم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً لا يفتر لحظة, ولكن خذوا حذركم يا عباد الله.
فهذا أبوكم آدم الذي قال له الله: إنك في الجنة لا تظمأ ولا تضحى، ولا تجوع ولا تعرى, ولكن أتاه الخبيث ووسوس إليه وأخرجه من الجنة, نهاه الله عن الشجرة ولكن أغواه الشيطان حتى أكل منها, فلما عصى ربه وأكل من الشجرة هو وزوجته أخرجه الله من الجنة.
ولكن رحمة أرحم الراحمين تداركت آدم، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] ما هي الكلمات؟ {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فتاب الله على أبينا آدم؛ فلله الحمد والمنِّة, وسوف يرجع إلى الجنة مكرماً معززاً، وسوف ترجع ذريته إلى الجنة بما ابتلاهم الله في هذه الحياة الدنيا من الأعمال الصالحة, فمن أطاع الله وأطاع المرسلين فسوف يرجع إلى الجنة معززاً مكرماً، ومن عصى وتعدى الحدود فسوف يتبع إبليس الرجيم الذي عصى الله في أن يسجد لآدم.
هذا خلق آدم من تراب, ومن رحمة أرحم الراحمين اشتق له صورة هي مثله في الحسن والجمال، ليسكن إليها وتقر نفسه بها، وهي حواء أم البشر, ثم أخرج الله من بينهما ما لا يحصى عدده من الرجال والنساء, فهذا خلقك يا أيها الإنسان، في أحسن تقويم خلقك الله جل وعلا, وفي أجمل صورة وفي أحسن شكل وهيئة, فتباً لأصحاب النظريات الذين يدعون أن الإنسان كان قرداً, ومع الأسف الشديد بعض الوعاظ يقول: هم القرود, لا, هم أناس خلقهم الله من بني آدم ولكنهم بقولهم هذا كفروا وجحدوا نعمة الله تعالى, يقولون: إن الإنسان كان قرداً وتطور حتى صار إنسانا, فبقولهم هذا كفروا بالله الذي خلقهم وفضلهم على كثير من مخلوقاته.
ومع الأسف الشديد ليست مرة ولا مرتين ولا ثلاث يقف أمامي بعض الشباب ويقول: هل صحيح أن الإنسان كان قرداً؟! من أين أخذت هذا؟ فيقول: من المعلم يقول: إن الإنسان كان قرداً فتطور فصار إنساناً, بئس أولئك المعلمين الذين يعلمون هذه النظريات, لقد خانوا الأمانة وخانوا الله ورسوله، وكفروا نعمة خلقهم وإيجادهم, أناس مكرمون معززون مفضلون على كثير من المخلوقات.
فحذار يا شباب الإسلام من تلك النظريات الخبيثة, الله الله بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.