يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشدِّ كوكب دري في السماء ضوءه، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الأَلُوَّة، أزواجهم الحور العين} لا إله إلا الله! نسأل الله من فضله، نسأل الله أن يقوي عزائمنا وهممنا لنقضي حياتنا بالأعمال الصالحة، يقول: {أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء} متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: {آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم فيها المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يُرى مخ ساقيهما من وراء اللحم من الحُسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا}.
عباد الله: لقد جاء الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبي الله موسى عليه السلام سأل الله عزَّ وجلَّ: {ما أدنى أهل الجنة منزلة؟} موسى يسأل الله: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ {يقول الله جلَّ وعلا: هو رجل يجيء بعدما أُدخل أهلُ الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أيا رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِك من ملوك الدنيا، فيقول: رضيتُ ربي، فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله, ومثله -أربع مرات- ويقول في الخامسة: رضيتُ ربِّ، فيقول: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسُك، ولذت عينك، فيقول: رضيتُ ربِّ، قال موسى عليه السلام: ربِّ، فأعلاهم منزلة؟ قال الله جلَّ وعلا: أولئك الذين غرستُ كرامتهم بيدي، وختمتُ عليها، ولم ترَ عينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر} حديث صحيح رواه الإمام مسلم.
وجعل الله عزَّ وجلَّ زوجات أهل الجنة عُرُباً أتراباً، والعُرُب: هي المرأة المتوددة إلى زوجها باللطافة، ولين الكلام، ومع ذلك فهن على سن واحد، ولا تباغض ولا تحاسد في الجنة، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعيُن، وفوق ذلك: أنهم فيها خالدون؛ لا يبغون عنها حولاً، ولا هم منها مُخرجون، ينادي منادٍ: {إن لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشِبُّوا فلا تهرموا أبداً}.
وفوق ذلك يا عباد الله: أن الله أحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً، وفوق ذلك كله: ما يحصل لهم من التلذذ برؤية رب العالمين إذا كشف الحجاب الذي بينه وبينهم، فهم يرونه عياناً بأبصارهم، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم -اسمعوا يا عباد الله- ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها فافعلوا} ما هما هاتان الصلاتان، هما: صلاة الصبح، وصلاة العصر.
عباد الله: إن سألتم عن أهل هذه الجنات، وساكني تلك الغرفات، فهم الذين وصفهم الله في كتابه الكريم -نسأل الله أن يجعلنا منهم- قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1 - 11].
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.