ثم اعرفوا معنى شهادة: أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمعناها: طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر, وألا يعبد الله عزَّ وجلَّ إلا بما شرعه صلى الله عليه وسلم, وأن يجتنب كل ما نهى عنه وزجر, فرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب, بل يطاع ويتَّبع, شرَّفه الله بالعبودية الخاصة، والرسالة العامة إلى جميع الثقلين؛ من الجن والإنس قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث بالحنيفية السمحة، وختم الله به الرسالات، وجعلت أمته خير أمة أخرجت للناس, فجزاه الله عن أمته خير ما جزى به رسولاً عن أمته.
لقد أوضح لنا الدليل, وأنار السبيل, ونصح لأمته، وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, بلَّغ رسالة ربِّه صلوات الله وسلامه عليه.
فواجب ثم واجب ثم واجب على كل مسلم يؤمن بالله ورسوله أن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حباً من نفسه, وولده, ووالده, ومن الناس أجمعين، وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن عبد حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين, ولما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي, قال صلى الله عليه وسلم: لا حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر رضي الله عنه: أنت أحب إليّ من كل شيء حتى من نفسي، قال: الآن يا عمر}.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا في المحبة ولوازمها, فإنه يتحتم على من أراد الفلاح والسعادة والهداية في الدنيا والآخرة، أن يتبع هدي هذا الرسول النبي الأمي؛ الذي نوه الله بذكره في جميع الكتب المنزلة, وبشرت به جميع الأنبياء، وأمر الله باتباعه في محكم البيان؛ قال جلَّ وعلا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158].