الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته, وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته, وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو, لما أودعها من عجيب صنعته, وبديع آياته, وسبحان الله وبحمده عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته, ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته, كما لا شريك له في ربوبيته, ولا شبيه له في ذاته, ولا في أفعاله ولا في صفاته, والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وسبحان من سبحت له السماوات وأملاكها, والنجوم وأفلاكها, والأرض وسكانها, والبحار وحيتانها, والجبال والشجر والدواب والرمال, وكل رطب ويابس, وكل حي وميت، لا إله إلا الله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, كلمة قامت بها الأرض والسماوات, وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله, وأنزل كتبه, وشرع شرائعه, ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين.
لا إله إلا الله، لأجلها قام سوق الجنة والنار, ولا إله إلا الله، بها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار, تلكم شهادة أن لا إله إلا الله.
وهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب, وهي الحق الذي خلقت له الخليقة, وعن حقوق: لا إله إلا الله، ويكون السؤال والحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون، وعن لا إله إلا الله يكون الحساب والثواب, وعليها يقع الثواب والعقاب, ولا إله إلا الله عليها نصبت القبلة, ولا إله إلا الله عليها أسست الملة, ولا إله إلا الله لأجلها جردت سيوف الجهاد, إنها كلمة لا إله إلا الله؛ حق الله على جميع العباد.
فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام, وعن شهادة أن لا إله إلا الله يسأل الأولون والآخرون؛ فلا تزول قدم العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فجواب الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله؛ معرفةً وإقراراً وعملاً, وجواب الثانية: تحقيق أن محمداً رسول الله؛ معرفةً وإقراراً وانقياداً وطاعة.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه, وخيرته من خلقه, وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم, والمنهج المستقيم, أرسله الله رحمة للعالمين وإماماً للمتقين, وحجة على الخلائق أجمعين, أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أعظم الطرق وأوضح السبل, وافترض على العباد طاعته وتعزيره، وتوقيره ومحبته, والقيام بحقوقه, وسدّ ربُّ العزة والجلال دون جنته الطريق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه صلَّى الله عليه وسلم -بعد الشفاعة الكبرى التي يتبرأ منها أولو العزم من الرسل- اللهم فصلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: