للكبر أسباب كثيرة، فقد تكون عن صفة كمال كالعلم والنسب والجاه والسلطان، وربما نشأ عن غرور ووهم بحيث يعتقد أنه أكمل من غيره خطأً وجهلاً، وهذا برهانٌ على نقص عقله، ولذلك يقول بعض العلماء: ما دخل قلب امرئٍ شيئاً من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخل من ذلك الكبر قلَّ أو كثر.
فإن كان الكبر ناشئاً عن العلم، كان صاحبه مثالاً سيئاً، وقدوةً رديئةً خصوصاً إذا دفعه الكبر إلى صفة ذميمة كالحسد والحقد، أو أفضى به إلى ارتكاب مظلمة من مظالم ارتكبها بيده، أو لسانه، فإن ضرر هذا لا يقدر؛ لأن الناس يقتدون بالعلماء في أقوالهم وأفعالهم، فيستسهلون عند ذلك ارتكاب الجرائم وإشباع الصفات الذميمة.
كمن يرى بعض العلماء يصلي في بيته، فإنهم يقتدون به ويقولون: إن الشيخ فلان يصلي في بيته، أو كما يرون بعض العلماء يحلق لحيته، ويقولون: العالم الفلاني يحلق لحيته، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستمع الأغاني، أو يقولون: إن العالم الفلاني يستعمل الربا، فإنه في هذا قد أصبح أشرَّ قدوة وأسوأها، وإذا صدر هذا من العلماء فإن فيه شراً عظيماً، وأيضاً فإنه لا ينتفع بعلومهم، لأنهم يكونون بعد ذلك ضعفاء الإرادة، ومن كان هذا شأنه، فإن علمه وبالٌ عليه, وسوف يسأل عن علمه ماذا عمل به؟
أما العلم النافع، فهو الذي يربي الأنفس ويطهرها من الصفات الرديئة، ويعرف العبد بربه وبنفسه وخطر أمرها، وهذا يورث الخشية والتواضع، فيكون صاحبه مثالاً حسناً بين الناس، وقدوةً صالحةً في الأقوال والأفعال، هذا إذا كان الكبر في العلماء.
أما إذا كان الكبر ناشئاً عن النسب، فإنه ربما يكون سبباً للطعن في أنساب الآخرين، وقد يؤدي إلى احتقارهم وازدرائهم، وقد فصل المسألة رب العالمين بقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وفصلها رسول الهدى بقوله: {لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى} وذكر تمام الحديث.
أما إذا كان الكبر ناشئاً عن الجاه والسلطان، فإنه غالباً يفضي إلى شر أنواع الظلم، وانتهاك المحارم من حقوق الله وحقوق خلقه مثل: ألّا يبالي بهم، ولا يسمع شكواهم، وخاصةً الضعفاء أو أن يعرض عن النصيحة، أو العمل بالحق، فإنه في هذه الحالة يكون متكبراً مذموماً ممقوتاً.
والكبر أنواع: وأعظم أنواع الكبر: الكبر على الله، وعلى رسله، وهذا من أشر أنواعه.