إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل فينا ولامنا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين.
إخواني في الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروى عنه، قال: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} والله سبحانه وتعالى -أيضاً- أكثر من ذكره في القرآن مما يدل على عظم هذا الخطب.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هاذم اللذات ومفرق الجماعات وميتم الأطفال ومرمل النساء ومفرق الجماعات هو الموت {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].
ثم إن هذا الخطب الفادح إذا نزل يحتار فيه الطبيب ويبطل مفعول الدواء، كما قال الله جل وعلا: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:26 - 28] عند ذلك ييئس من الحياة ومن أهلها؛ لأنه دنا فراقه من الدنيا، ودنا توديع الأهل والأقارب والأصحاب، ودنا انتقاله من هذه الدار لينتقل إلى عالم آخر إلى عالم القبور، فيا ليت شعري ماذا يكون بعد هذا الانتقال؟ وعلى أي حال يكون؟
إخواني في الله: ذكر بعض العلماء رحمهم الله تعالى حالات كثيرة لكثير من المحتضرين الذين ينتقلون من دار الدنيا إلى دار البرزخ وإلى عالم القبور.
منها ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى، قال: احتضر بعض الناس، أي: نزل به الموت، فقيل له: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يدمنون المسكرات والعياذ بالله، يقول: فجعل يقول: ناولني الكأس ناولني الكأس نسأل الله العافية! ومات وهو يقول: ناولني الكأس، لقد فاضت روحه وهو يطلب الكأس المسكر.
يقول: واحتضر آخر فقيل له: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يستمعون الأغاني، يقول: فأخذ يغني ويدندن حتى خرجت روحه نسأل الله العفو والعافية.
وقيل للآخر: قل لا إله إلا الله، وكان من الذين يتعاملون بالربا، فيقول: اثنا عشر بأربعة عشر، إحدى عشر باثني عشر، ومات وهو يتلفظ بهذه الألفاظ التي كان يتلفظ بها عند الربا نسأل الله العفو والعافية.
يقول: وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، وكان مولعاً بالتغزل بالنساء، وذكر لهذا قصة أن امرأة خرجت تريد حماماً يسمى حمام منجاب، وكان هذا الرجل عند داره، فسألته هذه المرأة، قالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هذا هو، فأدخلها في بيته، فلما أدخلها في بيته وجلس معها، قالت: لا يهنأ لنا المكان والحال حتى تأتينا بفاكهة، قال: أنا آتيك بكل ما تطلبين، فخرج ليأتي بفاكهة، ولكن من حسن حظها أنه لم يغلق الباب، وخرجت على أثره، فلما جاء إلى البيت، وإذا بالمرأة ليست في البيت -نسأل الله العافية- فأصابه الهيمان حتى كاد أن يجن، فجعل يتغزل:
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ
ومر بطريق وهو يهيم ويتلفظ بهذه الأبيات، فطلت عليه جارة من أعلى مكان، وقالت:
هلا جعلت لها إذ ما ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب
يقول: فازداد هيمانه وجنونه، ولما احتضر ونزل به الموت قيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يردد هذه الأبيات:
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
ومات وهو يردد هذه الأبيات نسأل الله العفو والعافية.
وذكروا أيضاً قصة لرجل -وهذه القصة لم يذكرها ابن القيم رحمه الله لكن ذكرها غيره- ذكروا أن رجلاً كان مؤذناًٍ يؤذن في مصر، وكان بجوار المسجد بيت لنصراني، فلما صعد المؤذن يؤذن نظر في بيت هذا النصراني، فرأى فيه جارية جميلة فنزل، ثم طرق عليها الباب، قالت: ماذا تريد؟ قال: أريدك! أخذت بمجامع قلبي، قالت: أنا لا أطاوعك على ما تطلب، قال: أتزوجك، قالت: إن أبي لا يزوجك وأنت مسلم، قال: أتنصر، فتنصر -والعياذ بالله- فلما دخل بها، صعد إلى مكان في البيت فسقط ومات، وقد خسر دينه ولم يظفر بالمرأة نسأل الله العفو والعافية.